" عرض عليّ ربي أن يجعل لي بطحاء مكة ذهباً، فقلت : لا يا رب! ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً، فإذا جعت تضرعت إليك ودعوتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " وروي عن طريق أبي الشيخ عن عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا قالت : قال رسول الله ـ ﷺ ـ :" لو شئت لسارت معي جبال الذهب جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً، فنظرت إلى جبريل عليه الصلاة والسلام فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت : نبياً عبداً قال : فكان رسول الله ـ ﷺ ـ بعد ذلك لا يأكل متكئاً ويقول :" آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد " " وسيأتي في سورة سبأ عند ﴿وأرسلنا له عين القطر﴾ [ سبأ : ١٢ ] ما يتم هذا، ولا يبعد عندي أن يكون أشير بالآية الشريفة - وإن كانت في أسلوب الشرط إلى ما فتح عليه ـ ﷺ ـ من الحدائق التي لم يكن مثلها في بلاد العرب لما فتح الله عليه خيبر ووادي القرى، وتصرف في ذلك بنفسه الشريفة وأكل منه وإلى ما فتح على أصحابه من بعده من بلاد فارس والروم ذات القصور والجنان التي لا مثل لها ولذلك عبر في الجنات بالماضي، وفي القصور بالمضارع، وأتيحوا كنوز كسرى بن هرمز، فإن اللائق بمقام الملوك أن تكون إشاراتهم أوسع من عباراتهم، فإذا ذكروا شيئاً ممكناً على سبيل الفرض كان من إرادتهم إيجاده، ويحبون أن يكتفي منهم بالإيماء، وأن يعتمد على تلويحهم أعظم مما يعتمد على تصريح غيرهم، وأن يعد المفروض منهم بمنزلة المجزوم به من غيرهم، والممكن في كلامهم كالواجب، فما ظنك بملك الملوك القادر على كل شيء! وهو قد صرف سبحانه الخطاب إلى أعلى الناس فهماً، وأغزرهم علماً، وقد أراه سبحانه ما يكون من ذلك من بعده في غزوة الخندق.


الصفحة التالية
Icon