وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد التي وَعِدَ المتقون ﴾.
إن قيل : كيف قال ﴿ أَذَلِك خَيْرٌ ﴾ ولا خير في النار ؛ فالجواب أن سيبويه حكى عن العرب : الشقاء أحب إليك أم السعادة، وقد علم أن السعادة أحبّ إليه.
وقيل : ليس هو من باب أفعل منك، وإنما هو كقولك : عنده خير.
قال النحاس : وهذا قول حسن ؛ كما قال :
فشرُّكما لخير كما الفِداء...
قيل : إنما قال ذلك لأن الجنة والنار قد دخلتا في باب المنازل ؛ فقال ذلك لتفاوت ما بين المنزلتين.
وقيل : هو مردود على قوله :﴿ تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك ﴾ الآية.
وقيل : هو مردود على قوله :﴿ أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾.
وقيل : إنما قال ذلك على معنى عِلمكم واعتقادكم أيها الكفار ؛ وذلك أنهم لما كانوا يعملون عمل أهل النار صاروا كأنهم يقولون إن في النار خيراً.
قوله تعالى :﴿ لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ ﴾ أي من النعيم.
﴿ خَالِدِينَ كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً ﴾ قال الكلبيّ : وعد الله المؤمنين الجنة جزاءً على أعمالهم، فسألوه ذلك الوعد فقالوا :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ ﴾ [ آل عمران : ١٩٤ ].
وهو معنى قول ابن عباس.
وقيل : إن الملائكة تسأل لهم الجنة ؛ دليله قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ ﴾ [ غافر : ٨ ] الآية.
وهذا قول محمد ابن كعب القُرظِي.
وقيل ؛ معنى ﴿ وَعْداً مَسْئُولاً ﴾ أي واجباً وإن لم يكن يسأل كالدَّين ؛ حكي عن العرب : لأعطينك ألفاً.
وقيل :﴿ وَعْداً مَسْئُولاً ﴾ يعني أنه واجب لك فتسأله.
وقال زيد بن أسلم : سألوا الله الجنة في الدنيا ورغِبوا إليه بالدعاء، فأجابهم في الآخرة إلى ما سألوا وأعطاهم ما طلبوا.
وهذا يرجع إلى القول الأول. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٣ صـ ﴾