ولما كان حاصل حالهم أنهم جانبوا أشرف الخلق الهادي لهم إلى كل خير، وصاحبوا غيره ممن يقودهم إلى كل شر، بين عسر ذلك اليوم الذي إنما أوجب جرأتهم تكذيبهم به بتناهي ندمهم على فعلهم هذا فقال :﴿ويوم يعض الظالم﴾ أي لفرط تأسفه لما يرى فيه من الأهوال ﴿على يديه﴾ أي كلتيهما فيكاد يقطعهما لشدة حسرته وهو لا يشعر، حال كونه مع هذا الفعل ﴿يقول﴾ أي يجدد في كل لحظة قوله :﴿يا ليتني اتخذت﴾ أي أرغمت نفسي وكلفتها أن آخذ في الدنيا ﴿مع الرسول سبيلاً﴾ أي عملاً واحداً من الأعمال التي دعاني إليها، وأطعته طاعة ما، لما انكشف لي في هذا اليوم من أن كل من أطاعه ولو لحظة حصلت له سعادة بقدرها، وعض اليد والأنامل وحرق الأسنان ونحو ذلك كناية عن الغيظ والحسرة لأنها من روادفهما، فتذكر الرادفه دلالة على المردوف فيرتفع الكلام في طبقة الفصاحة إلى حد يجد السامع عنده في نفسه من الروعة والاستحسان ما لا يجده عند المكنى عنه.
ولما تأسف على مجانبة الرسول، تندم على مصادقة غيره بقوله :﴿يا ويلتي﴾ أي يا هلاكي الذي ليس لي منادم غيره لأنه ليس بحضرتي سواه.
ولما كان يريد محالاً، عبر بأداته فقال :﴿ليتني لم أتخذ فلاناً﴾ يعني الذي أضله - يسميه باسمه، وإنما كنى عنه وهو سبحانه لا يخاف من المناواة، ولا يحتاج إلى المداجاة، إرادة للعموم وإن كانت الآية نزلت في شخص معين ﴿خليلاً﴾ أي صديقاً أوافقه في أعماله لما علمت من سوء عاقبتها، ثم استأنف قوله الذي يتوقع كل سامع أن يقوله :﴿لقد﴾ أي والله لقد ﴿أضلني عن الذكر﴾ أي عمّي عليّ طريق القرآن الذي لاذكر في الحقيقة غيره وصرفني عنه، والجملة في موضع العلة لما قبلها ﴿بعد إذ جاءني﴾ ولم يكن لي منه مانع يظهر غير إضلاله.