احتج أصحابنا بهذه الآية على أنه تعالى خلق الخير والشر لأن قوله تعالى :﴿جَعَلْنَا لِكُلّ نِبِىّ عَدُوّاً﴾ يدل على أن تلك العداوة من جعل الله ولا شك أن تلك العداوة كفر قال الجبائي : المراد من الجعل التبيين، فإنه تعالى لما بين أنهم أعداؤه، جاز أن يقول : جعلناهم أعداءه، كما إذا بين الرجل أن فلاناً لص يقال جعله لصاً كما يقال في الحاكم عدل فلاناً وفسق فلاناً وجرحه، قال الكعبي : إنه تعالى لما أمر الأنبياء بعداوة الكفار وعداوتهم للكفار تقتضي عداوة الكفار لهم، فلهذا جاز أن يقول :﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوّاً مّنَ المجرمين﴾ لأنه سبحانه هو الذي حمله ودعاه إلى ما استعقب تلك العداوة، وقال أبو مسلم : يحتمل في العدو أنه البعيد لا القريب إذ المعاداة المباعدة كما أن النصر القرب والمظاهرة، وقد باعد الله تعالى بين المؤمنين والكافرين والجواب عن الأول : أن التبيين لا يسمونه ألبتة جعلاً لأن من بين لغيره وجود الصانع وقدمه لا يقال إنه جعل الصانع وجعل قدمه والجواب عن الثاني : أن الذي أمره الله تعالى به هل له تأثير في وقوع العداوة في قلوبهم أو ليس له تأثير ؟ فإن كان الأول فقد تم الكلام لأن عداوتهم للرسول ﷺ كفر فإذا أمر الله الرسول بما له أثر في تلك العداوة فقد أمره بما له أثر في وقوع الكفر وإن لم يكن فيه تأثير ألبتة كان منقطعاً عنه بالكلية فيمتنع إسناده إليه، وهذا هو الجواب عن قول أبي مسلم.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon