وقال قوم : معناه يسمعون منها تغيظ المعذبين وزفيرهم، كما قال :﴿ فَأَمَّا الذين شَقُواْ فَفِى النار لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴾ [ هود : ١٠٦ ] وقال عامة المفسرين : التغيظ زفير يسمع من النار، ألا ترى أنه قال :﴿ سَمِعُواْ لَهَا ﴾، ولم يقل : سمعوا منها، ولا فيها.
وقال في آية أخرى :﴿ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَآ أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ ﴾ [ الملك : ٨ ] وروي في الخبر " أن جهنم تزفر زفرة لا يبقى ملك مقرَّب ولا نبيٌّ مرسل إلا خرَّ على وجهه ترعد فرائصهم حتى إن إبراهيم الخليل عليه السلام ليجثو على ركبتيه ويقول : يا رب لا أسألك إلا نفسي " ثم قال عز وجل :﴿ وَإَذَا أُلْقُواْ مِنْهَا ﴾ يعني : فيها ﴿ مَكَاناً ضَيّقاً ﴾ يعني : يضيق عليهم المكان كتضييق الزُّجِّ من الرُّمح ﴿ مُقْرِنِينَ ﴾ أي : مسلسلين في القيود، موثقين في الحديد قرنوا مع الشياطين ﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾ فعند ذلك دعوا بالويل، يعني : يقولون : واهلاكاه، فتقول لهم الخزنة ﴿ لاَّ تَدْعُواْ اليوم ثُبُوراً واحدا وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً ﴾ يعني : ادعوا ويلاً كثيراً دائماً.
قال الله تعالى للنبي ﷺ :﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لكفار مكة ﴿ أذلك خَيْرٌ ﴾ يعني : هذا الذي وصف من العذاب خير ﴿ أَمْ جَنَّةُ الخلد ﴾ فإن قيل كيف يقال خير وليس في النار خير؟ قيل له : قد يقال على وجه المجاز، وإن لم يكن فيه خير، والعاقبة تقول العاقبة خير من البلاء، وإنما خاطبهم بما يتعارفون في كلامهم ﴿ التى وُعِدَ المتقون ﴾ يعني : الذين يتقون الشرك والكبائر.
﴿ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً ﴾ يعني : جزاء بأعمالهم الحسنة ومرجعاً إليها.