ثمَّ قال سبحانه وتعالى ردّاً عليهم وتكذيباً لهم ﴿ قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً * وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول ﴾ يعنون محمّداً ﷺ ﴿ يَأْكُلُ الطعام ﴾ كما نأكل ﴿ وَيَمْشِي فِي الأسواق ﴾ يلتمس المعاش ﴿ لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ﴾ يصدّقه ﴿ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ﴾ داعياً ﴿ أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ ﴾ ينفقه فلا يحتاج الى التصرّف في طلب المعاش. ﴿ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ﴾ بستان ﴿ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ هو، هذه قراءة العامة، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالنون أي نأكل نحن.
﴿ وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ﴾ نزلت هذه الآية في قصة ابن أبي أُميّة وقد مرّ ذكرها في بني إسرائيل.
﴿ انظر ﴾ يامحمد ﴿ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ﴾ إلى الهدى ومخرجاً من الضلالة فأخبر الله أنّهم متمسّكون بالجهل والضلال عادلون عن الرشد والصواب وهم مع ذلك كانوا مكلّفين بقبول الحق فثبت أنّ الاستطاعة التي بها الضلال غير الاستطاعة التي يحصل بها الهدى والإيمان.
﴿ تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك ﴾ أي ممّا قالوا، عن مجاهد، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : يعني خيراً من المشي في الأسواق والتماس المعاش، ثمَّ بيّن ذلك الخير ما هو فقال سبحانه وتعالى ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً ﴾ أي بيوتاً مشيّدة، وسُمّي قصراً لأنّه قُصر أي حُبس ومُنع من الوصول إليه.
واختلف القرّاء في قوله ﴿ وَيَجْعَل ﴾ فرفع لامه ابن كثير وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والمفضل، وجزمهُ الآخرون على محلّ الجزاء في : قوله إن شاء جعل.