لتواضعه وكان ذلك صفته في التوراة ولم يكن سخاباً في الأسواق وليس شيء من ذلك ينافي النبوة ولأنه لم يدع أنه ملك من الملوك ﴿ لولا أنزل إليه ملك ﴾ أي يصدقه ويشهد له ﴿ فيكون معه نذيراً ﴾ أي داعياً ﴿ أو يلقى إليه كنز ﴾ أي ينزل عليه كنز من السماء ينفقه فلا يحتاج إلى التصرف في طلب المعاش ﴿ أو تكون له جنة ﴾ يعني بستان ﴿ يأكل منها ﴾ أي هو فلا أقل من ذلك إن لم يكن له كنز ﴿ وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً ﴾ يعني مخدوعاً وقيل مصروفاً عن الحق.
﴿ انظر ﴾ يا محمد ﴿ كيف ضربوا لك الأمثال ﴾ أي الأشباه التي لا فائدة لها فقالوا مسحور محتاج ﴿ فضلوا ﴾ أي عن الحق ﴿ فلا يستطيعون سبيلاً ﴾ إلى الهدى ومخرجاً عن الضلالة.
قوله تعالى ﴿ تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك ﴾ أي من الذي قالوا : وأفضل من البستان الذي ذكروا وقال ابن عباس يعني خيراً من المشي في الأسواق والتماس المعاش ثم بين ذلك الخير فقال ﴿ جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً ﴾ أي بيوتاً مشيدة عن أبي أمامة أن النبيّ ( ﷺ ) قال " عرض عليَّ ربي ليجعل لي بطحاء مكة ذهباً قلت لا يا رب ولكن أشبع يوماً وأجوع يوماً أو قال ثلاثاً أو نحو هذا، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك وإذا شبعت حمدتك وشكرتك " عن عائشة قالت :" قال رسول الله ( ﷺ ) : لو شئت لسارت معي جبال مكة ذهباً جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة فقال يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويقول : إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً فنظرت إلى جبريل فأشار إلي أن ضع نفسك، فقلت : نبياً عبداً قالت فكان رسول الله ( ﷺ ) بعد ذلك لا يأكل متكئاً يقول : أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد " ذكر هذين الحديثين البغوي بسنده.