وحين وصف حال الكفار إذا كانوا بالبعد من جهنم وصف حالهم عندما يلقون فيها. عن ابن عباس أنه يضيق عليهم المكان كما يضيق الزج على الرمح. وسئل النبي ﷺ عن ذلك فقال :" والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط " قال الكلبي : الأسفلون يرفعهم اللهب والأعلون يخفضهم الداخلون فيزدحمون في تلك الأبواب الضيقة. وقال جار الله : الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض. وجاء في الأحاديث " إن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا " وقال الصوفية. : المكان الضيق قلب الكافر في صدره كقوله ﴿ يجعل صدره ضيقاً حرجاً ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ] ثم إن أهل جهنم مع ما هم فيه يكونون مقرنين في السلاسل والأصفاد وقد مر في آخر سورة إبراهيم. والثبور الهلاك ودعاؤه النداء بواثبوراه اي يقال يا ثبور فهذا أوانك وههنا إضمار اي يقال لهم ﴿ لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً ﴾ إذ هم أحقاء بأن يقال لهم ذلك وإن لم يكن ثمة قول. ومعنى ﴿ وادعوا ثبوراً كبيراً ﴾ أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً إنما هو ثبور كثير. إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها فلا غاية لهلاكهم، أو لأنهم يجدون بسبب ذلك القول خفة فإن المعذب إذا صاح وبكى وجد بسببه راحة. قال الكبي : نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبهات. ثم وبخهم بقوله ﴿ قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون ﴾ أي وعدوها فحذف الرابط للعلم به وليس هذا الاستفهام كقول القائل " السكر أحلى أم الصبر " ولكن الغرض منه التقريع كلما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر فضربه ضرباً وجيعاً ويقول على سبيل التوبيخ : هذا أطيب أم ذاك؟ والإضافة في جنة الخلد للتوضيح والتأكيد لا للتمييز فإن الجنة معلوم أن نيعمها لا ينقطع. قالت الشاعرة : في قوله {