وقال آخرون : إنه احتجاج عليهم في اختصاص محمد ﷺ بالرسالة مع مساواته إياهم في البشرية وصفاتها فابتلى المرسلين بالمرسل إليهم وبمناصبتهم لهم العداوة وأنواع الأذى، وابتلى المرسل إليهم بالتكليف وبذل النفس والمال وصيرورتهم تابعين خادمين بعد أن كانوا متبوعين مخدومين. قالت الأشاعرة : في هذا الجعل إشارة إلى مذهبنا في القدر.
وقال الجبائي : هذا الجعل بمعنى التعريف كما يقال فيمن بين أن فلاناً لص إنه جعله لص. قال في الكشاف : موقع ﴿ أتصبرون ﴾ بعد ذكر الفتنة موقع أيكم بعد الابتلاء في قوله ﴿ ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ﴾ [ الملك : ٢ ] قلت : أراد أن كلاً من الابتلاء والفتنة يستدعي التمييز فيحسن الاستفهام بعده أي بفتنكم ليظهر أنكم تصبرون على البلاء أم لا، ولعل الأظهر أن الاستفهام غير متعلق بالفتنة وإنما هو مستأنف للوعيد كقوله ﴿ فهل أنتم منتهون ﴾ [ المائدة : ٩١ ] ويؤيده قوله ﴿ وكان ربك بصيراً ﴾ عالماً بمن صبر ومن لا يصبر فيجازي كلاً منهم بحسب ذلك. وقيل : في الآية تسلية للنبي ﷺ عما عيروه به من الفقر فقد جعل الأغياء فتنة للفقراء. وقيل : جعلناك فتنة لهم حين بعثناك فقيراً لتكون طاعة من يطيعك خالصة لوجه الله، ولو كنت غنياً صاحب كنز كما اقترحوا لم يظهر الطائع من المخلص. وقالت الصوفية : أتصبرون يا معشر الأنبياء على ما يقولون ويا معشر الأمم عما يقولون والله أعلم. أ هـ ﴿غرائب القرآن حـ ٥ صـ ٢٢٠ ـ ٢٢٨﴾