﴿لا تدعوا اليوم﴾ أي : أيها الكفار ﴿ثبوراً واحداً﴾ ؛ لأنكم لا تموتون إذا حلت بكم أسباب العذاب والهلاك ﴿وادعوا ثبوراً كثيراً﴾ أي : هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة، أو ادعوا أدعية كثيرة، وقال الكلبي : نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبه، ولما وصف تعالى : العقاب المعدّ للمكذبين بالساعة أتبعه بما يؤكد الحسرة والندامة بقوله تعالى:
قل} أي : لهؤلاء البعداء البغضاء ﴿أذلك﴾ أي : المذكور من الوعيد وصفة النار ﴿خير أم جنة الخلد﴾ أي : الإقامة الدائمة ﴿التي وعد المتقون﴾ أي : وعدها الله تعالى لهم، فالراجع إلى الموصوف وهو هاء وعدها محذوف.
فإن قيل : كيف يقال : العذاب خير أم جنة الخلد، وهل يجوز أن يقول القائل : السكر أحلى أم الصبر ؟
أجيب : بأنه يحسن في معرض التقريع كما إذا أعطى السيد عبده مالاً فتمرد وأبى واستكبر، فضربه ويقول له : هذا خير أم ذلك؟ قال أبو مسلم : جنة الخلد هي التي لا ينقطع نعيمها، والخلد والخلود سواء كالشكر والشكور، قال تعالى :﴿لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً﴾ (الإنسان، )
فإن قيل : الجنة اسم لدار الخلد، فأي فائدة في قوله تعالى :﴿جنة الخلد﴾ ؟
أجيب : بأنّ الإضافة قد تكون للبيتين، وقد تكون لبيان صفة الكمال كقوله تعالى :﴿هو الله الخالق البارئ﴾ (الحشر، )
وهذا من هذا البيان أو للتمييز عن جنات الدنيا، ثم حقق تعالى أمرها تأكيداً للبشارة بقوله :﴿كانت لهم جزاء﴾ أي : ثواباً على أعمالهم بفضل الله تعالى وكرمه ﴿ومصيراً﴾ أي : مرجعاً.
فإن قيل : إن الجنة ستصير للمتقين جزاءً ومصيراً لكنها بعدما صارت كذلك فلم قال تعالى :﴿كانت﴾ ؟
أجيب : من وجهين : الأول : أن ما وعده الله تعالى فهو في تحققه كالواقع، الثاني : أنه كان مكتوباً في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم الله تعالى بأزمنة متطاولة أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم، فإن قيل : لم جمع تعالى بين الجزاء والمصير ؟