وقال محمد بن كعب القرظي : الطلب من الملائكة للمؤمنين سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم ﴿ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم﴾ وقيل : إن المكلفين سألوها بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائماً مقام السؤال، قال المتنبي:
*في النفس حاجات وفيك فطانة
** سكوتي كلام عندها وخطاب
ولما ذكر تعالى حالهم في نفسهم أتبعه ذكر حالهم مع معبوداتهم من دونه بقوله تعالى:
﴿ويوم﴾ أي : واذكر لهم يوم ﴿نحشرهم﴾ أي : المشركين، وقرأ ابن كثير وحفص بالياء، والباقون بالنون، واختلف في المراد بقوله تعالى :﴿وما يعبدون من دون الله﴾ أي : غيره فقال الأكثرون : من الملائكة والجن والمسيح وعزير وغيرهم، وقال عكرمة والضحاك والكلبي : من الأصنام، فقيل لهم : كيف يخاطب الله تعالى الجماد بقوله تعالى :﴿فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء﴾ أي : أوقعتموهم في الضلال بأمركم إياهم بعبادتكم ﴿أم هم ضلوا السبيل﴾ أي : طريق الحق بأنفسهم، فأجابوا بوجهين:
أحدهما : أنه تعالى يخلق الحياة فيها ويخاطبها.
ثانيهما : أن يكون ذلك بالكلام النفساني لا بالقول اللساني بل بلسان الحال كما ذكره بعضهم في تسبيح الجماد وكلام الأيدي والأرجل، ويجوز أن يكون السؤال عاماً لهم جميعاً، فإن قيل : كيف صح استعمال ما في العقلاء ؟
أجيب : على الأول : بأنه أريد به الوصف كأنه قيل : ومعبوديهم ألا تراك تقول إذا أردت السؤال عن صفة زيد : ما زيد تعني أطويل أم قصير، فقيه أم طبيب؟، وقال تعالى :﴿والسماء وما بناها﴾ (الشمس، )
﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ (الكافرون، )، وأما على القول الثاني : فواضح، وأما على القول الثالث : فغلب غير العاقل لغلبة عباده أو تحقيراً، فإن قيل : ما فائدة هذا السؤال مع أن الله تعالى كان عالماً في الأزل بحال المسؤول عنه ؟