وقال الشيخ سيد قطب :
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١) ﴾
إنه البدء الموحي بموضوع السورة الرئيسي : تنزيل القرآن من عند الله، وعموم الرسالة إلى البشر جميعا. ووحدانية الله المطلقة، وتنزيهه عن الولد والشريك، وملكيته لهذا الكون كله، وتدبيره بحكمة وتقدير.. وبعد ذلك كله يشرك المشركون، ويفتري المفترون، ويجادل المجادلون، ويتطاول المتطاولون!
﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾..
والتبارك تفاعل من البركة، يوحي بالزيادة فيها والفيض والرفعة جميعا. ولم يذكر لفظ الجلالة واكتفى بالاسم الموصول ﴿ الذي نزل الفرقان ﴾ لإبراز صلته وإظهارها في هذا المقام، لأن موضوع الجدل في السورة هو صدق الرسالة وتنزيل القرآن.
وسماه الفرقان. بما فيه من فارق بين الحق والباطل، والهدي والضلال. بل بما فيه من تفرقة بين نهج في الحياة ونهج، وبين عهد للبشرية وعهد. فالقرآن يرسم منهجا واضحا للحياة كلها في صورتها المستقرة في الضمير، وصورتها الممثلة في الواقع. منهجا لا يختلط بأي منهج آخر مما عرفته البشرية قبله. ويمثل عهدا جديداً للبشرية في مشاعرها وفي واقعها لا يختلط كذلك بكل ما كان قبله. فهو فرقان بهذا المعنى الواسع الكبير. فرقان ينتهي به عهد الطفولة ويبدأ به عهد الرشد. وينتهي به عهد الخوارق المادية ويبدأ به عهد المعجزات العقلية. وينتهي به عهد الرسالات المحلية الموقوتة، ويبدأ به عهد الرسالة العامة الشاملة :﴿ ليكون للعالمين نذيرا ﴾.
وفي موضع التكريم لرسول الله ﷺ وفي مقام التعظيم يصفه بالعبودية :﴿ على عبده ﴾.. كذلك وصفه في مقام الإسراء والمعراج في سورة الإسراء :﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴾ وكذلك وصفه في مقام دعائه ومناجاته في سورة الجن :﴿ وأنه لما قام عبد الله يدعوه... ﴾