وأكذب شيء أن يقول كفار قريش هذه المقالة، وهم يوقنون في أنفسهم أنها الفرية التي لا تقوم على أساس. فما يمكن أن يخفى على كبرائهم الذين يلقونهم هذا القول أن القرآن الذي يتلوه عليه محمد ﷺ شيء آخر غير كلام البشر ؛ وهم كانوا يحسون هذا بذوقهم في الكلام ؛ وكانوا لا يملكون أنفسهم من التأثر بالقرآن. ثم هم كانوا يعلمون عن محمد قبل البعثة أنه الصادق الأمين الذي لا يكذب ولا يخون. فكيف به يكذب على الله، وينسب إليه قولاً لم يقله؟
ولكنه العناد والخوف على مراكزهم الاجتماعية المستمدة من سيادتهم الدينية، كان يجنح بهم إلى هذه المناورات يطلقونها في وسط جمهور العرب، الذين قد لا يميزون بين الكلام، ولا يعرفون درجته :﴿ إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون ﴾.
قيل : إنهم عبيد أعاجم ثلاثة أو أكثر، هم الذين كانوا يعنونهم بهذه المقالة. وهو كلام متهافت تافه لا يقف للجدل. فإن كان بشر يملك أن يفتري مثل هذا القرآن بمعاونة قوم آخرين، فما يمسكهم هم عن الإتيان بمثله، مستعينين بأقوام منهم، ليبطلوا حجة محمد ﷺ وهو يتحداهم به وهم عاجزون؟!
ومن ثم لا يجادلهم هنا ولا يناقشهم في هذا القول المتهافت ؛ إنما يدمغهم بالوصف البارز الثابت :
﴿ فقد جاءوا ظلماً وزوراً ﴾... ظلماً للحق، ولمحمد، ولأنفسهم، وزوراً واضح الكذب ظاهر البطلان. ثم يمضي في استعراض مقولاتهم عن الرسول - ﷺ وعن القرآن :
﴿ وقالوا : أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً ﴾...