«فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ. فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً».. لا صرف العذاب ولا الانتصار.
وبينما المشهد في الآخرة يوم الحشر. ينتقل السياق فجأة إلى المكذبين وهم بعد في الأرض :
«وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ : نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً»..
ذلك على طريقة القرآن في لمس القلوب في اللحظة التي تتهيأ فيها للاستجابة وهي متأثرة بمثل ذلك المشهد المرهوب! والآن وقد شهدوا وشهد رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - نهاية الافتراء والتكذيب والاستهزاء. ونهاية الاعتراض على بشرية الرسول وأكله الطعام ومشيه في الأسواق.. الآن يعود إلى الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - يسليه ويؤسيه، بأنه لم يكن بدعا من الرسل، فكلهم يمشون على سواء :
«وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً. أَتَصْبِرُونَ؟ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً»..
فإذا كان هناك اعتراض فليس هو اعتراضا على شخصه. إنما هو اعتراض على سنة من سنن اللّه. سنة مقدرة مقصودة لها غايتها المرسومة :«وَ جَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً». ليعترض من لا يدركون حكمة اللّه وتدبيره وتقديره. وليصبر من يثق باللّه وحكمته ونصره. ولتمضي الدعوة تغالب وتغلب بوسائل البشر وطرائق البشر.
وليثبت من يثبت على هذا الابتلاء :«أَ تَصْبِرُونَ؟».. «وَ كانَ رَبُّكَ بَصِيراً». بصيرا بالطبائع والقلوب، والمصائر والغايات. ولهذه الإضافة هنا «وَ كانَ رَبُّكَ» إيحاؤها وظلها ونسمتها الرخية على قلب الرسول - صلّى اللّه عليه وسلّم - في مقام التأسية والتسلية والإيواء والتقريب.. واللّه بصير بمداخل القلوب.. أ هـ ﴿الظلال حـ ٥ صـ ٢٥٤٧ ـ ٢٥٥٦﴾