ولما كان حاصل أمرهم أنهم طلبوا رتبة النبي الذي واسطته الملك، وزادوا عليه رؤية جميع الملائكة الآخذين عن الله، وزادوا على ذلك بطلب الرؤية، قال :﴿وعتو﴾ أي وجاوزوا الحد في الاستكبار بما وراءه من طلبهم رؤية جميع الملائكة ورؤية الملك الجبار، وزاد في تأكيد هذا المعنى لاقتضاء المقام له بقوله :﴿عتواً كبيراً﴾ وبيان أنهم ما قالوا هذا إلا عتواً وظلماً أن ما جاءهم من الآيات التي أعظمها القرآن دلهم قطعاً بعجزهم عن الإتيان بشيء منه على صدقه ـ ﷺ ـ عن الله في كل ما يقوله، وفي حسن هذا الاستئناف وفحوى هذا السياق دلالة على التعجب من غير لفظ تعجب فالمعنى : ما أشد استكبارهم وأكبر عتوهم! ثم بين لهم حالهم عند بعض ما طلبوا فقال :﴿يوم﴾ وناصبه ما دل عليه " لا بشرى " ﴿يرون الملائكة﴾ أي يوم القيامة أو قبله في الغزوات أو عند الاحتضار ﴿لا بشرى﴾ أي من البشر أصلاً ﴿يومئذ للمجرمين﴾ أي لأحد ممن قطع ما أمر الله به أن يوصل، ولبيان ذلك أظهر موضع الإضمار ﴿ويقولون﴾ أي في ذلك الوقت :﴿حجراً محجوراً﴾ أي نطلب منعاً منكم ممنوعاً، أي مبالغاً في مانعيته، ويجوز أن يراد بالمفعول الفاعل، والمعنى واحد في أنهم يريدون أن يكون بينهم وبين الملائكة مانع عظيم يمنعهم منهم ؛ قال أبو عبيدة : وهذا عوذة العرب، يقوله من خاف آخر في الحرم أو في شهر حرام إذا لقيه وبينهما ترة وقال سيبويه : يريد البراءة من الأمر ويبعد عن نفسه أمراً، فكأنه قال : أحرم ذلك حراماً محرماً، ومثل ذلك أن يقول الرجل للرجل : أتفعل كذا وكذا؟ فيقول : حجراً أي ستراً وبراءة من هذا، فهذا ينتصب على إضمار الفعل.
وعبر بالمضارع إشارة إلى دوام تجديدهم لهذا القول بعد مفاجأتهم به حال رؤيتهم لهم لعظيم روعتهم منهم، بخلاف ما بعده فإنه عبر فيه بالماضي إشارة إلى أنه كائن لا محالة.