وقد بينا في كتابنا : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب : وجه الجمع بين ما دل عليه قوله هنا :﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾ من انقضاء الحساب في نصف نهار، وبين ما دل عليه قوله تعالى :﴿ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [ المعارج : ٤ ] وذكرنا الآيات المشيرة إلى الجمع، وبعض الشواهد العربية.
واعلم أن المشهور في كلام العرب أن المقيل القيلولة أو مكانها، وهي الاستراحة نصف النهار ومن الحر مثلاً، وإن لم يكن معها نوم، ومنه قوله :
جزى الله خير الناس خير جزائه... رفيقين قالا خيمتي أم معبد
أي نزلا فيها وقت القائلة، كما قاله صاحب اللسان، وما فسر به قتادة الآية، من أن المقيل المنزل والمأوى، معروف أيضاً في كلام العرب. ومنه قول ابن رواحة :
اليوم نضربكم على تنزيله... ضرباً يزيل الهام عن مقيله
فقوله : يزيل الهام عن مقيله، يعني : الرؤوس عن مواضعها من الأعناق، ومعلوم أن المقيل فيه المحل الذي تسكن في الرؤوس والظاهر أن من هذا القبيل قول أحيحة بن الجلاح الأنصاري :
وما تدري وإن أجمعت أمراً... بأي الأرض يدركك المقيل
وعليه فالمعنى : بأي الأرض يدركك الثواء والإقامة بسبب الموت أو غيره من الأسباب، وصيغة التفضيل في قوله هنا :﴿ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾ تكلمنا على مثلها قريباً في الكلام على قوله تعالى :﴿ قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد ﴾ [ الفرقان : ١٥ ] الآية. أ هـ ﴿أضواء البيان حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon