فصل


قال الفخر :
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ﴾
اعلم أن قوله تعالى :﴿وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا الملئكة أَوْ نرى رَبَّنَا﴾ هو الشبهة الرابعة لمنكري نبوة محمد ﷺ وحاصلها : لم لم ينزل الله الملائكة حتى يشهدوا أن محمداً محق في دعواه ﴿أَوْ نرى رَبَّنَا﴾ حتى يخبرنا بأنه أرسله إلينا ؟ وتقرير هذه الشبهة أن من أراد تحصيل شيء، وكان له إلى تحصيله طريقان، أحدهما يفضي إليه قطعاً والآخر قد يفضي وقد لا يفضي، فالحكيم يجب عليه في حكمته أن يختار في تحصيل ذلك المقصود الطريق الأقوى والأحسن، ولا شك أن إنزال الملائكة ليشهدوا بصدق محمد ﷺ أكثر إفضاء إلى المقصود، فلو أراد الله تعالى تصديق محمد ﷺ لفعل ذلك وحيث لم يفعل ذلك علمنا أنه ما أراد تصديقه هذا حاصل الشبهة، ثم ههنا مسائل :
المسألة الأولى :
قال الفراء قوله تعالى :﴿وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا﴾ معناه لا يخافون لقاءنا ووضع الرجاء في موضع الخوف لغة تهامية، إذا كان معه جحد، ومثله قوله تعالى :﴿مَالَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً﴾ [ نوح : ١٣ ] أي لا تخافون له عظمة، وقال القاضي لا وجه لذلك، لأن الكلام متى أمكن حمله على الحقيقة لم يجز حمله على المجاز، ومعلوم أن من حال عباد الأصنام أنهم كما لا يخافون العقاب لتكذيبهم بالمعاد، فكذلك لا يرجون لقاءنا ووعدنا على الطاعة من الجنة والثواب، ومعلوم أن من لا يرجو ذلك لا يخاف العقاب أيضاً، فالخوف تابع لهذا الرجاء.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon