والحق تبارك وتعالى يُوضِّح هذه المسألة في قوله تعالى :﴿ والذين كفروا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظمآن مَآءً حتى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ الله عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ والله سَرِيعُ الحساب ﴾ [ النور : ٣٩ ].
وقال تعالى أيضاً :﴿ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتدت بِهِ الريح فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ].
فقد عمل هؤلاء أعمالَ خير كثيرة، لكن لم يكُنْ في بالهم الله، إنما عملوا للإنسانية وللشهرة وليُقال عنهم ؛ لذلك نراهم في رفاهية من العيش وسَعة مُمتَّعين بألوان النعيم، لماذا؟ لأنهم أخذوا الأسباب المخلوقة لله تعالى، ونفّذوها بدقة، والله تبارك وتعالى لا يحرم عبده ثمرةَ مجهوده، وإنْ كان كافراً، فإنْ ترك العبدُ الأسبابَ وتكاسل حرَمه الله وإنْ كان مؤمناً. وفَرْق بين عطاءات الربوبية التي تشمل المؤمن والكافر والطائع والعاصي، وبين عطاءات الألوهية.
فمن الكفار مَنْ أحسن الأَخْذ بالأسباب، فاخترعوا أشياء نفعتْ الإنسانية، وأدوية عالجتْ كثيراً من الأمراض. ولا بُدَّ أن يكون لهم جزاء على هذا الخير، وجزاؤهم أخذوه في الدنيا ذِكْراً وتكريماً وتخليداً لذِكْراهم، وصُنِعت لهم التماثيل وأُعْطوا النياشين، وأُلِّفتْ في سيرتهم الكتب، كأن الله تعالى لم يجحدهم عملهم، ولم يبخسهم حقهم.
ألاَ ترى أن أبا لهب الذي وقف من رسول الله موقِفَ العداء حتى نزل فيه قوله تعالى :﴿ تَبَّتْ يَدَآ أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَآ أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ ﴾ [ المسد : ١٢ ] ومع ذلك يُخفِّف الله عنه العذاب ؛ لأنه أعتقَ جاريته ثويبة حينما بشَّرته بميلاد محمد بن عبد الله ؛ لأنه فرح بهذه البُشْرى وأسعده هذا الخبر.


الصفحة التالية
Icon