وقال أبو عبد الله الرازي : الاستهزاء إما بالصورة فكان أحسن منهم خلقة أو بالصفة فلا يمكن لأن الصفة التي تميز بها عنهم ظهور المعجز عليه دونهم، وما قدروا على القدح في حجته ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ثم لوقاحتهم قلبوا القصة واستهزؤوا بالرسول عليه الصلاة والسلام انتهى.
قيل : وتدل الآية على أنهم صاروا في ظهور حجته عليه الصلاة والسلام عليهم كالمجانين استهزوؤا به أولاً ثم إنهم وصفوه بأنه ﴿ كاد ليضلنا ﴾ عن مذهبنا ﴿ لولا ﴾ أنا قابلناه بالجمود والإصرار فهذا يدل على أنهم سلموا له قوة الحجة وكمال العقل، فكونهم جمعوا بين الاستهزاء وبين هذه الكيد ودة دل على أنهم كانوا كالمتحيرين في أمره تارة يستهزئون منه وتارة يصفونه بما لا يليق إلاّ بالعالم الكامل.
﴿ وسوف يعلمون ﴾ وعيد ودلالة على أنهم لا يفوتونه وإن طالت مدة الإمهال فلا بد للوعيد أن يلحقهم فلا يغرنهم التأخير، ولما قالوا ﴿ إن كاد ليضلنا ﴾ جاء قوله ﴿ من أضل سبيلاً ﴾ أي سيظهر لهم من المضل ومن الضال بمشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه.
والظاهر أن من استفهامية وأضل خبره والجملة في موضع مفعول ﴿ يعلمون ﴾ إن كانت متعدية إلى واحد أو في موضع مفعولين إن كانت تعدت إلى اثنين، ويجوز أن تكون ﴿ من ﴾ موصولة مفعولة بيعلمون و﴿ أضل ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي هو أضل، وصار حذف هذا المضمر للاستطالة التي حصلت في قول العرب ما أنا بالذي قائل لك سواء.
﴿ أرأيت من اتخذ إلهه هواه ﴾ هذا يأس عن إيمانهم وإشارة إليه عليه السلام أن لا يتأسف عليهم، وإعلام أنهم في الجهل بالمنافع وقلة النظر في العواقب مثل البهائم ثم ذكر أنهم ﴿ أضل سبيلاً ﴾ من الأنعام من حيث لهم فهم وتركوا استعماله فيما يخلصهم من عذاب الله.
والأنعام لا سبيل لها إلى فهم المصالح.