والمعنى : إنكار أن يكون المشار إليه رسولاً لأن في الإشارة إليه ما يكفي للقطع بانتفاء أنه رسول الله في زعمهم، وقد تقدم قريب من هذه الجملة في قوله تعالى :﴿ وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هُزؤاً أهذا الذي يذكر آلهتكم ﴾ في سورة الأنبياء ( ٣٦ )، سوى أن الاستفهام هنالك تعجبي فانظره.
أما قولهم إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } فالمقصود منه تفاخرهم بتصلبهم في دينهم وأنهم كادوا أن يتبعوا دعوة الرسول بما يلقيه إليهم من الإقناع والإلحاح فكان تَأثر أسماعِهم بأقواله يُوشك بهم أن يرفضوا عبادة الأصنام لولا أنهم تريَّثوا، فكان في الريث أن أفاقوا من غِشاوة أقواله وخلابة استدلاله واستبصروا مرآة فانجلى لهم أنه لا يستأهل أن يكون مبعوثاً من عند الله، فقد جمعوا من كلامهم بين تزييف حجته وتنويه ثباتهم في مقام يَستفز غير الراسخين في الكفر.
وهذا الكلام مشوب بفَسادِ الوضع ومؤلف على طرائق الدهماء إذ يتكلمون كما يشتهون ويستبلهون السامعين.
ومن خلابة المغالطة إسنادهم مقاربة الإضلال إلى الرسول دون أنفسهم ترفعاً على أن يكونوا قاربوا الضلال عن آلهتهم مع أن مقاربته إضلالَهم تستلزم اقترابهم من الضلال.
و﴿ إنْ ﴾ مخفَّفَة من ( إنّ ) المشددة، والأكثر في الكلام إهمالها، أي ترك عملها نصبَ الاسم ورفعَ الخبر، والجملة التي تليها يلزم أن تكون مفتتحة بفعل من أخوات كان أو من أخوات ظنّ وهذا من غرائب الاستعمال.
ولو ذهبنا إلى أن اسمها ضمير شأن وأن الجملة التي بعدها خبر عن ضمير الشأن كما ذهبوا إليه في ( أنّ ) المفتوحة الهمزة إذا خففت لما كان ذلك بعيداً.
وفي كلام صاحب "الكشاف" ما يشهد له في تفسير قوله تعالى :﴿ وإن كانوا من قبلُ لفي ضلال مبين ﴾ في سورة آل عمران ( ١٦٤ )، والجملة بعدها مستأنفة، واللاّم في قوله لَيُضِلّنا } هي الفارقة بين ( إنْ ) المحققة وبين ( إنْ ) النافية.


الصفحة التالية
Icon