والأظهر أن المراد عذاب السيف النازل بهم يوم بدر، وممن رآه أبو جهل سيّد أهل الوادي، وزعيم القالة في ذلك النادي.
ولما كان الجواب بالإعراض عن المحاجّة ارتكب فيه أسلوب التهكم بجعل ما ينكشف عنه المستقبل هو معرفة من هو أشد ضلالاً من الفريقين على طريقة المجاراة وإرخاء العنان للمخطىءِ إلى أن يقف على خطئه وقد قال أبو جهل يوم بدر وهو مثخَّن بالجراح في حالة النزع لما قال له عبد الله بن مسعود : أنتَ أبو جهل؟ فقال :"وهَل أعمد من رجل قتله قومه".
و﴿ مَن ﴾ الاستفهامية أوجبت تعليق فعل ﴿ يعلمون ﴾ عن العمل.
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣)
استئناف خوطب به الرسول ﷺ فيما يخطر بنفسه من الحزن على تكرر إعراضهم عن دعوته إذ كان حريصاً على هداهم والإلحاح في دعوتهم، فأعلمه بأن مثلهم لا يرجى اهتداؤه لأنهم جعلوا هواهم إلههم، فالخطابُ للرسول صلى الله عليه وسلم
وفعل ﴿ اتخذ ﴾ يتعدى إلى مفعولين وهو من أفعال التصيير الملحقة بأفعال الظن في العمل، وهو إلى باب كَسا وأعطى أقرب منه إلى باب ظنّ، فإن ﴿ اتخذ ﴾ معناه صيّر شيئاً إلى حالة غير ما كان عليه أو إلى صورة أخرى.
والأصل فيه أن مفعوله الأول هو الذي أدخل عليه التغيير إلى حال المفعول الثاني فكان الحق أن لا يقدم مفعوله الثاني على مفعوله الأول إلا إذا لم يكن في الكلام لبس يلتبس فيه المعنى فلا يدري أي المفعولين وقع تغييره إلى مدلول المفعول الآخر، أو كان المعنى الحاصل من التقديم مساوياً للمعنى الحاصل من الترتيب في كونه مراداً للمتكلم.


الصفحة التالية
Icon