وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى :﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ ﴾ [ القصص : ٥٦ ] الآية، وقوله تعالى :﴿ إِن تَحْرِصْ على هُدَاهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ ﴾ [ النحل : ٣٧ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العذاب أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النار ﴾ [ الزمر : ١٩ ]، وقوله تعالى :﴿ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ [ يونس : ٩٩١٠٠ ] الآية، وقوله تعالى في آية الجاثية المذكورة آنفاً أيضاً ﴿ فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله ﴾ [ الجاثية : ٢٣ ] الآية، والآيات بمثل ذلك كثيرة، والعلم عند الله تعالى.
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (٤٤)
أم في هذه الآية الكريمة هي المنقطعة وأشهر معانيها أنها جامعة بين معنى بل الإضرابية، واستفهام الإنكار معاً، والإضراب المدلول عليه بها هنا إضراب انتقالي :
والمعنى : بل أتحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون : أي لا تعتقد ذلك ولا تظنه، فإنهم لا يسمعون الحق ولا يعقلونه : أي لا يدركونه بعقولهم إن هم إلا كأنعام أي ما هم إلا كالأنعام، التي هي الإبل والبقر والغنم في عدم سماع الحق، وإدراكه، بل هم أضل من الأنعام : أي أبعد عن فهم الحق، وإدراكه.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ قال الزمخشري : فإن قلت : كيف جعلوا أضل من الأنعام؟


الصفحة التالية
Icon