ألا ترى قصة إسلام عمر رضي الله عنه وكيف كان قبل الإسلام شديداً جباراً؟ فلما تهيأت له الفرصة فاستمع للقرآن وصادف منه ملَكةً سليمة وفطرة نقية، حيث أعاده حادث ضَرْبه لأخته وشَجِّه لها، أعاده إلى سلامة الفطرة والطويّة، فلما سمع منها القرآن وصادف منه قلباً نقياً وفطرة سليمة تأثر به، فأسرع إلى رسول الله يعلن إسلامه.
إذن : فقولكم :﴿ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا ﴾ [ الفرقان : ٤٢ ] دليل على أنه كُفْء للمهمة التي بعث بها، وهذا يناقض قولكم سخريةً منه واستهزاءً :﴿ أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً ﴾ [ الفرقان : ٤١ ].
وقولهم :﴿ لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا ﴾ [ الفرقان : ٤٢ ] يدل على أنه ﷺ فعل معهم أفعالاً اقتضتْ منهم أنْ يصبروا على الضلال ﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٤٢ ] سيعرفون ذلك، لكن بعد فوات الأوان، وبعد ألاَّ تنفعهم هذه المعرفة.
أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣)
الحق تبارك وتعالى يضع لرسوله ﷺ قضية، هي أن الدين إنما جاء ليعصم الناس من أهواء الناس، فلكُلِّ نفس بشرية هَوىً، وكل إنسان يعجبه هواه، وما دام الأمر كذلك فلن ينقاد لغيره ؛ لأن غيره أيضاً له هوىً ؛ لذلك يقول تعالى :﴿ وَلَوِ اتبع الحق أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ السماوات والأرض ﴾ [ المؤمنون : ٧١ ].


الصفحة التالية
Icon