وقال تعالى :﴿ عَفَا الله عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حتى يَتَبَيَّنَ لَكَ ﴾ [ التوبة : ٤٣ ].
ولا بُدَّ أن نُحدِّد مفهوم الهوى أولاً : أنت مدرك أن لديه قضيتين : الحق واضح في إحداهما، إلا أن هواه يميل إلى غير الحق. إنه ﷺ نطق لأنه لم تكن هناك قضية واقعة، وهو يعرف وجه الحق فيها، فهو إذن لم يَسِرْ على الهوى، إنما على ما انتهى إليه اجتهاده.
ألاَ ترى قوله تعالى لرسوله ﷺ في مسألة تبنِّيه لزيد بن حارثة ﴿ ادعوهم لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله ﴾ [ الأحزاب : ٥ ] فمعنى أن نسبته لأبيه أقسط أن رسول الله لم يكُنْ جائراً، فما فعله قِسْط، لكن فِعْل الله أقسط منه.
فالحق تبارك وتعالى لم يُخطّىء رسوله ﷺ، وسمّى فِعْله عدلاً، وهو عَدْل بشرى يناسب ما كان من تمسُّك زيد برسول الله، وتفضيله له على أهله، فلم يجد رسول الله أفضلَ من أنْ يتبنَّاه مكافأةً له.
ثم يقول سبحانه :﴿ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٤٣ ] وكيلاً يتولَّى توجيهه، ليترك هواه ويتبع الحق، كما قال سبحانه في موضع آخر :﴿ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [ الغاشية : ٢٢ ] وقال :﴿ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ الناس حتى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [ يونس : ٩٩ ] وقال :﴿ إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ ﴾ [ الشورى : ٤٨ ].
فالذي اتبع هواه حتى جعله إلهاً له لا يمكن أنْ تحمله على أنْ يعدل عن هواه ؛ لأن الأهواء مختلفة، فالبعض يريد أنْ يتمتع بجهد غيره، فيضع يده في جيوب الآخرين ليسرقهم، لكن أيسرُّه أن يفعل الناسُ معه مثلَ فِعْله معهم؟ إذن : هوى صادمَ هوى، فأَيُّهما يغلب؟ يغلب مَنْ يحكم بلا هوى، لا لك ولا عليك، وقضية الحق في ذاتها لا توجد إلا من الله تعالى.
ثم يقول الحق سبحانه :﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ ﴾


الصفحة التالية
Icon