قوله :﴿ مَنْ أَضَلُّ ﴾ جملةُ الاستفهامِ معلِّقةٌ ل " يَعْلمون "، فهي سادَّةٌ مَسَدَّ مفعولَيْها إنْ كانَتْ على بابِها، ومَسَدَّ واحدٍ إنْ كانَتْ بمعنى عَرَفَ. ويجوزُ في " مَنْ " أَنْ تكنَ موصولةً. و " أَضَلُّ " خبرُ مبتدأ مضمرٍ، هو العائدُ على " مَنْ " تقديرُه : مَنْ هو أضلُّ. وإنما حُذِفَ للاستطالةِ بالتمييزِ كقولِهم :" ما أنا بالذي قائلٌ لك سوءاً "، وهذا ظاهرٌ إن كانَتْ متعديةً لواحد، وإنْ كانَتْ متعديةً لاثنين فتحتاجُ إلى تقديرٍ ثانٍ ولا حاجةَ إليه.
قوله :﴿ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ ﴾ مفعولا الاتِّخاذِ مِنْ غيرِ تقديمٍ ولا تأخيرٍ لاستوائِهما في التعريفِ، وقال الزمخشري :" فإن قلتَ : لِمَ أَخَّر " هواه " والأصلُ قولُك : اتَّخذ الهوى إلَهاً "؟ قلت : ما هو إلاَّ تقديمُ المفعولِ الثاني على الأولِ للعنايةِ به، كما تقولُ " عَلِمْتُ منطلقاً زيداً " لفضلِ عنايتِك بالمنطَلقِ ". قال الشيخ :" وادِّعاءُ القلبِ يعني التقديمَ ليس بجيدٍ لأنَّه من ضرائرِ الأشعارِ ". قلت : قد تقدَّم فيه ثلاثةُ مذاهبَ. على أنَّ هذا ليس من القلبِ المذكورِ في شيء، إنما هو تقديمٌ وتأخيرٌ فقط.
وقرأ ابن هرمز " إلاهَةً هواه " على وزن فِعالة. والإَهة بمعنى : المألوه، والهاءُ للمبالغةِ كعلاَّمَة ونسَّابة. وإلاهَةً مفعولٌ ثانٍ قُدِّم لكونِه نكرةً، ولذلك صُرِفَ. وقيل : الإَهَةً هي الشمسُ. ورُدَّ هذا : بأنَّه كان ينبغي أن يمتنعَ من الصرفِ للعلميةِ والتأنيث. وأُجيب بأنها تدخُل عليها أل كثيراً فلمَّا نُزِعَتْ منها صارَتْ نكرةً جاريةً مجرى الأوصافِ. ويُقال : أُلاهَة بضمِّ الهمزةِ أيضاً اسماً للشمس.


الصفحة التالية
Icon