ترج فيها الأرض وتدك، وتنسف فيها الجبال، وتتفجر فيها البحار إما بامتلائها من أثر الاضطراب ؛ وإما بتفجر ذراتها واستحالتها ناراً. كذلك تطمس فيها النجوم وتنكدر، وتشقق فيها السماء وتنفطر، وتتحطم فيها الكواكب وتنتثر، وتختل المسافات فيجمع الشمس والقمر، وتبدو السماء مرة كالدخان ومرة متلهبة حمراء.
. إلى آخر هذا الهول الكوني الرعيب.
وفي هذه السورة الفرقان يخوف الله المشركين بتشقق السماء بالغمام. وقد يكون هو السحب المتراكمة من أبخرة تلك الانفجارات المروعة. وتنزل الملائكة يومئذ على الكافرين كما كانوا يقترحون، لا لتصديق الرسول ﷺ ولكن ليتولوا عذابهم بأمر ربهم ﴿ وكان يوماً على الكافرين عسيراً ﴾ بما فيه من هول، وبما فيه من عذاب.. فما لهم يقترحون نزول الملائكة وهم لا ينزلون إلا في مثل ذلك اليوم العسير؟
ثم يعرض مشهداً من مشاهد ذلك اليوم، يصور ندم الظالمين الضالين. يعرضه عرضاً طويلاً مديداً، يخيل للسامع أنه لن ينتهي ولن يبرح. مشهد الظالم يعض على يديه من الندم والأسف والأسى :
﴿ ويوم يعض الظالم على يديه : يقول : يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً. يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً ﴾..
ويصمت كل شيء من حوله ؛ ويروح يمد في صوته المتحسر، ونبراته الأسيفة ؛ والإيقاع الممدود يزيد الموقف طولاً ويزيد أثره عمقاً. حتى ليكاد القارىء للآيات والسامع يشاركان في الندم والأسف والأسى!
﴿ ويوم يعض الظالم على يديه ﴾.. فلا تكفيه يد واحدة يعض عليها. إنما هو يداول بين هذه وتلك، أو يجمع بينهما لشدة ما يعانيه من الندم اللاذع المتمثل في عضه على اليدين. وهي حركة معهودة يرمز بها إلى حالة نفسية فيجسمها تجسيماً.