ولما وقع جوابهم عن قولهم ﴿لولا أنزل إليه ملك﴾ [ الفرقان : ٧ ] وكان قد بقي قولهم ﴿أو يلقى إليه كنز﴾ [ الفرقان : ٨ ] أشير إلى مزيد الاهتمام بجوابه بإبرازه في صورة الجواب لمن كأنه قال : ماذا يقال لهم إذا تظاهروا وطعنوا في الرسالة بما تقدم وغيره؟ فقال :﴿قل﴾ أي لهم يا أكرم الخلق حقيقة، وأعدلهم طريقة محتجاً عليهم بإزالة ما يكون موضعاً للتهمة :﴿ما أسألكم عليه﴾ أي على الإبلاغ بالبشارة والنذارة ﴿من أجر﴾ لتتهموني أني أدعوكم لأجله، أو تقولوا : لولا ألقي إليه كنز ليغتني به عن ذلك، فكأنه يقول : الاقتصار عن التوسع في المال إنما يكره لمن يسأل الناس، وليس هذا من شيمي قبل النبوة فكيف بما بعدها؟ فلا غرض لي حينئذ إلا نفعكم.
ثم أكد هذا المعنى بقوله، مستثنياً لأن الاستثناء معيار العموم :﴿إلا من﴾ أي إلا أجر من ﴿شاء أن يتخذ﴾ أي يكلف نفسه ويخالف هواه ويجعل له ﴿إلى ربه سبيلاً﴾ فإنه إذا اهتدى بهداية ربه كان لي مثل أجره، لا نفع لي من جهتكم إلا هذا، فإن سيتم هذا أجراً فهو مطلوبي، ولا مرية في أنه لا ينقص أحداً شيئاً من دنياه، فلا ضرر على أحد في طي الدنيا عني، فأفاد هذا فائدتين : إحداهما أنه لا طمع له أصلاً في شيء ينقصهم، والثانية إظهار الشفقة البالغة بأنه يعتد بمنفعتهم الموصلة لهم إلى ربهم ثواباً لنفسه.
ولما كان المقصود ردهم عن عنادهم، وكان ذلك في غاية الصعوبة، وكان هذا الكلام لا يرد متعنتيهم - وهم الأغلب - الذين تخشى غائلتهم، عطف على " قل " قوله :﴿وتوكل﴾ أي أظهر العجز والضعف واستسلم واعتمد في أمرك كله، ولا سيما في مواجهتهم بالإنذار، وفي ردهم عن عنادهم.