أما قوله :﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذى لاَ يَمُوتُ﴾ فالمعنى أنه سبحانه لما بين أن الكفار متظاهرون على إيذائه، فأمره بأن لا يطلب منهم أجراً ألبتة، أمره بأن يتوكل عليه في دفع جميع المضار، وفي جلب جميع المنافع، وإنما قال :﴿عَلَى الحى الذى لاَ يَمُوتُ﴾ لأن من توكل على الحي الذي يموت، فإذا مات المتوكل عليه صار المتوكل ضائعاً، أما هو سبحانه وتعالى فإنه حي لا يموت فلا يضيع المتوكل عليه ألبتة.
أما قوله :﴿وَسَبّحْ بِحَمْدِهِ﴾ فمنهم من حمله على نفس التسبيح بالقول، ومنهم من حمله على الصلاة، ومنهم من حمله على التنزيه لله تعالى عما لا يليق به في توحيده وعدله وهذا هو الظاهر ثم قال :﴿وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً﴾ وهذه كلمة يراد بها المبالغة يقال : كفى بالعلم جمالاً، وكفى بالأدب مالاً وهو بمعنى حسبك، أي لا تحتاج معه إلى غيره لأنه خبير بأحوالهم قادر على مكافأتهم وذلك وعيد شديد، كأنه قال إن أقدمتم على مخالفة أمره كفاكم علمه في مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة.
﴿ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾
اعلم أنه سبحانه لما أمر الرسول بأن يتوكل عليه وصف نفسه بأمور : أولها : بأنه حي لا يموت وهو قوله :﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الحى الذى لاَ يَمُوتُ﴾ [ الفرقان : ٥٨ ] وثانيها : أنه عالم بجميع المعلومات وهو قوله :﴿وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً﴾ [ الفرقان : ٥٨ ] وثالثها : أنه قادر على كل الممكنات وهو المراد من قوله :﴿الذى خَلَقَ السموات والأرض﴾ فقوله :﴿الذى خَلَقَ﴾ متصل بقوله :﴿الحى الذى لاَ يَمُوتُ﴾ لأنه سبحانه لما كان هو الخالق للسموات والأرضين ولكل ما بينهما ثبت أنه هو القادر على جميع وجوه المنافع ودفع المضار، وأن النعم كلها من جهته فحينئذ لا يجوز التوكل إلا عليه.
وفي الآية سؤالات :