ويحتمل أنهم جهلوا الله تعالى، ويحتمل أنهم إن عرفوه لكنهم جحدوه، ويحتمل أنهم وإن اعترفوا به لكنهم جهلوا أن هذا الاسم من أسماء الله تعالى وكثير من المفسرين على هذا القول الأخير قالوا الرحمن اسم من أسماء الله مذكور في الكتب المتقدمة، والعرب ما عرفوه قال مقاتل : إن أبا جهل قال إن الذي يقوله محمد شعر، فقال عليه السلام الشعر غير هذا إن هذا إلا كلام الرحمن فقال أبو جهل بخ بخ لعمري والله إنه لكلام الرحمن الذي باليمامة هو يعلمك فقال عليه السلام :" الرحمن الذي هو إله السماء ومن عنده يأتيني الوحي " فقال يا آل غالب من يعذرني من محمد يزعم أن الله واحد، وهو يقول الله يعلمني والرحمن، ألستم تعلمون أنهما إلهان ثم قال ربكم الله الذي خلق هذه الأشياء، أما الرحمن فهو مسيلمة.
قال القاضي والأقرب أن المراد إنكارهم لله لا للاسم، لأن هذه اللفظة عربية، وهم كانوا يعلمون أنها تفيد المبالغة في الإنعام، ثم إن قلنا بأنهم كانوا منكرين لله كان قولهم :﴿وَمَا الرحمن﴾ سؤال طالب عن الحقيقة، وهو يجري مجرى قول فرعون ﴿وَمَا رَبُّ العالمين﴾ [ الشعراء : ٢٣ ] وإن قلنا بأنهم كانوا مقرين بالله لكنهم جهلوا كونه تعالى مسمى بهذا الاسم كان قولهم ﴿وَمَا الرحمن﴾ سؤالاً عن الاسم.
أما قوله :﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ فالمعنى للذي تأمرنا بسجوده على قوله أمرتك بالخير، أو لأمرك لنا، وقرىء ﴿يأمرنا﴾ بالياء كأن بعضهم قال لبعض أنسجد لما يأمرنا محمد أو يأمرنا المسمى بالرحمن ولا نعرف ما هو، وزادهم أمره نفوراً، ومن حقه أن يكون باعثاً على الفعل والقبول.
قال الضحاك : فسجد رسول الله ﷺ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي عثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسة، ولما رآهم المشركون يسجدون تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين.
فهذا هو المراد من قوله :﴿وَزَادَهُمْ نُفُوراً﴾ أي فزادهم سجودهم نفوراً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٤ صـ ٨٩ ـ ٩٢﴾