وقال ابن عطية :
قوله تعالى ﴿ وما أرسلناك ﴾ الآية تسلية لمحمد ﷺ أي لا تهتم بهم ولا تذهب نفسك حسرات حرصاً عليهم فإنما أنت رسول تبشر المؤمنين بالجنة وتنذر الكفرة النار ولست بمطلوب بإيمانهم أجمعين، ثم أمره تعالى بأن يحتج عليهم مزيلاً لوجوه التهم بقوله ﴿ ما أسألكم عليه من أجر ﴾ أي لا أطلب مالاً ولا نفعاً يختص بي، وقوله ﴿ إلا من شاء ﴾ الظاهر فيه أنه استثناء منقطع، والمعنى مسؤولي ومطلوبي من شاء أن يهتدي ويؤمن ويتخذ إلى رحمة ربه طريق نجاة، قال الطبري المعنى لا أسألكم أجراً إلا إنفاق المال في سبيل الله فهو المسؤول وهو السبيل إلى الرب.
قال الفقيه الإمام القاضي : فالاستثناء على هذا كالمتصل، وكأنه قال إلا أجر من شاء والتأويل الأول أظهر.
﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ﴾
المعنى قل لهم يا محمد هذه المقالة التي لا ظن يتطرق إليك معها ولا تهتم بهم وبشّر وأنذر ﴿ وتوكل علىٍ ﴾ المتكفل بنصرك وعضدك في كل أمرك، ثم وصف تعالى نفسه الصفة التي تقتضي التوكل في قوله ﴿ الحي الذي لا يموت ﴾ إذ هذا المعنى يختص بالله تعالى دون كل ما لدينا مما يقع عليه اسم حي، وقوله ﴿ وسبح بحمده ﴾ قل سبحان الله وبحمده أي تنزيهه واجب وبحمده أقول.
قال القاضي أبو محمد : وقال رسول ﷺ " من قال في كل يوم سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرة ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر "، فهذا معنى ﴿ وسبح بحمده ﴾ وهي إحدى الكلمتين الخفيفتين على اللسان، الحديث، وقوله ﴿ وكفى به ﴾ توعد وإزالة كل عن محمد ﷺ في همه بهم، وقوله ﴿ وما بينهما ﴾ مع جمعه ﴿ السماوات ﴾ قبل سائغ من حيث عادل لفظ ﴿ الأرض ﴾ لفظ ﴿ السماوات ﴾ ونحوه قول عمرو بن شييم :[ الوافر ]
ألم يحزنك أن جبال قيس... وتغلب قد تباينتا انقطاعا
من حيث عادلت جبالاً جبالاً، ومنه قول الآخر :[ الكامل ]