وقد كان ﷺ يتكفا في مشيه كإنما يمشي في صبب وهو عليه الصلاة والسلام الصدر في هذه الآية.
وفيه بحث من وجهين فلا تغفل.
وقرأ اليماني.
والسلمي ﴿ يَمْشُونَ ﴾ مبنياً للمفعول مشدداً ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون ﴾ أي السفهاء وقليلو الأدب كما في قوله :
ألا لا يجهلن أحد علينا...
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
﴿ قَالُواْ سَلاَماً ﴾ بيان لحالهم في المعاملة مع غيرهم إثر بيان حالهم في أنفسهم أو بيان لحسن معاملتهم.
وتحقيق للينهم عند تحقق ما يقتضي خلاف ذلك إذا خلى الإنسان وطبعه أي إذا خاطبوهم بالسوء قالوا تسلماً منكم ومتاركة لا خير بيننا وبينكم ولا شر.
فسلاماً مصدر أقيم مقام التسليم وهو مصدر مؤكد لفعله المضمر.
والتقدير نتسلم تسلماً منكم.
والجملة مقول القول.
وإلى هذا ذهب سيبويه في اكلتاب ومنع أن يراد السلام المعروف بأن الآية مكية والسلام في النساء وهي مدنية ولم يؤمر المسلمون بمكة أن يسلموا على المشركين.
وقال الأصم : هو سلام توديع لا تحية كقول إبراهيم عليه السلام لأبيه ﴿ سلام عَلَيْكَ ﴾ [ مريم : ٤٧ ] ولا يخفى أنه راجع إلى المتاركة وهو كثير في كلام العرب.
وقال مجاهد : المراد قالوا قولاً سديداً.
وتعقب بأن هذا تفسير غير سديد لأن المراد ههنا يقولون هذه اللفظة لا أنه يقولون قولاً ذا سداد بدليل قوله تعالى :﴿ سلام عَلَيْكُمُ لا نبتغي الجاهلين ﴾ [ القصص : ٥٥ ].
ورده صاحب الكشف بأن تلك الآية لا تخالف هذا التفسير فإن قولهم.
سلام عليكم من سداد القول أيضاً كيف والظاهر أن خصوص اللفظ غير مقصود بل هو أو ما يؤدي مؤداه أيضاً من كل قول يدل على المتاركة مع الخلو عن الإثم واللغو وهو حسن لا غبار عليه.