ثم أخبر سبحانه عنهم بأنهم جهلوا معنى الرحمن فقال :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن قَالُواْ وَمَا الرحمن ﴾ قال المفسرون : إنهم قالوا ما نعرف الرحمن إلاّ رحمن اليمامة، يعنون مسيلمة.
قال الزجاج : الرحمن : اسم من أسماء الله، فلما سمعوه أنكروا، فقالوا : وما الرحمن ﴿ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾، والاستفهام للإنكار أي : لا نسجد للرحمن الذي تأمرنا بالسجود له، ومن قرأ بالتحتية، فالمعنى : أنسجد لما يأمرنا محمد بالسجود له.
وقد قرأ المدنيون، والبصريون :﴿ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾ بالفوقية، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي بالتحتية.
قال أبو عبيد : يعنون الرحمن.
قال النحاس : وليس يجب أن يتأوّل على الكوفيين في قراءتهم هذا التأويل البعيد، ولكن الأولى : أن يكون التأويل لهم اسجدوا لما يأمرنا النبيّ ﷺ، فتصح القراءة على هذا، وإن كانت الأولى أبين.
﴿ وَزَادَهُمْ نُفُوراً ﴾ أي : زادهم الأمر بالسجود نفوراً عن الدين، وبعداً عنه، وقيل : زادهم ذكر الرحمن تباعداً من الإيمان، كذا قال مقاتل، والأوّل أولى.
ثم ذكر سبحانه ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود للرحمن، فقال :﴿ تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السماء بُرُوجاً ﴾ المراد بالبروج بروج النجوم أي : منازلها الإثنا عشر، وقيل : هي النجوم الكبار، والأوّل أولى.
وسميت بروجاً، وهي القصور العالية ؛ لأنها للكواكب كالمنازل الرفيعة لمن يسكنها، واشتقاق البرج من التبرج، وهو الظهور.
﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً ﴾ أي : شمساً، ومثله قوله تعالى :﴿ وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً ﴾ [ نوح : ١٦ ] قرأ الجمهور :﴿ سراجاً ﴾ بالإفراد.
وقرأ حمزة، والكسائي ﴿ سرجاً ﴾ بالجمع أي : النجوم العظام الوقادة، ورجح القراءة الأولى أبو عبيد.