ثم وصفهم سبحانه بالتوسط في الإنفاق، فقال :﴿ والذين إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ ﴾ قرأ حمزة والكسائي والأعمش وعاصم ويحيى بن وثاب :﴿ يقتروا ﴾ بفتح التحتية، وضم الفوقية، من قتر يقتر، كقعد يقعد، وقرأ أبو عمرو وابن كثير بفتح التحتية، وكسر التاء الفوقية، وهي لغة معروفة حسنة، وقرأ أهل المدينة وابن عامر وأبو بكر عن عاصم بضم التحتية وكسر الفوقية.
قال أبو عبيدة : يقال : قتر الرجل على عياله يقتر، ويقتر قتراً، وأقتر يقتر إقتاراً، ومعنى الجميع : التضييق في الإنفاق.
قال النحاس : ومن أحسن ما قيل في معنى الآية : أن من أنفق في غير طاعة الله، فهو الإسراف، ومن أمسك عن طاعة الله، فهو الإقتار، ومن أنفق في طاعة الله، فهو القوام.
وقال إبراهيم النخعي : هو الذي لا يجيع ولا يعرى، ولا ينفق نفقة، يقول الناس قد أسرف.
وقال يزيد بن أبي حبيب : أولئك أصحاب محمد كانوا لا يأكلون طعاماً للتنعم واللذة ولا يلبسون ثوباً للجمال، ولكن كانوا يريدون من الطعام ما يسدّ عنهم الجوع، ويقوّيهم على عبادة الله، ومن اللباس ما يستر عوراتهم، ويقيهم الحرّ والبرد.
وقال أبو عبيدة : لم يزيدوا على المعروف، ولم يبخلوا كقوله :﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط ﴾ [ الإسراء : ٢٩ ] قرأ حسان بن عبد الرحمن :" وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً " بكسر القاف، وقرأ الباقون بفتحها، فقيل : هما بمعنى، وقيل : القوام بالكسر : ما يدوم عليه الشيء ويستقرّ، وبالفتح : العدل، والإستقامة، قاله ثعلب.
وقيل : بالفتح : العدل بين الشيئين، وبالكسر : ما يقام به الشيء لا يفضل عنه ولا ينقص.
وقيل : بالكسر : السداد والمبلغ، واسم كان مقدّر فيها أي : كان إنفاقهم بين ذلك قواماً، وخبرها ﴿ قواماً ﴾، قاله الفراء.


الصفحة التالية
Icon