وإنْ كان سبحانه وتعالى يستدعيك إلى خَمْس صلوات في اليوم والليلة، فما ذلك إلا لتأنسَ بربك، لكن أنت حر تأتيه في أيِّ وقت تشاء من غير موعد، وأنت تستطيع أن تحدد بَدْءَ المقابلة ونهايتها وموضوعها.. إلخ، فزمام الأمر في يدك.
وقد تعلم سيدنا رسول الله خُلق الله، فكان إذا وضع يده في يد أحد الصحابة يُسلِّم عليه لا ينزع يده منه حتى يكون هو الذي ينزع يده من يد رسول الله، وهذا أدب من أدب الحق تبارك وتعالى إذن : فالعبودية لله تعالى عبودية لرحمن، لا عبودية لجبار.
وأول ما نلحظ في هذه الآية أنه تعالى أضاف العباد إلى الرحمن، حتى لا نظن أن العبودية لله ذِلَّة، وأن القرآن كلام رب وُضِع بميزان، ثم يذكر سبحانه وتعالى صفات هؤلاء العباد، صفاتهم في ذواتهم، وصفاتهم مع مجتمعهم، وصفاتهم مع ربهم، وصفاتهم في الارتقاء بالمجتمع إلى الطُّهر والنقاء.
أما في ذواتهم، فالإنسان له حالتان هما محلُّ الاهتمام : إما قاعد، وإما سائر، ونُخرِج حالة النوم لأنه وقت سكون، أما حال القعود فالحركة محدودة في ذاته، والمهم حال الحركة والمشي، وهذا هو الحال الذي ينبغي الالتفات إليه.
لذلك يوضح لنا ربنا عز وجل كيف نمشي فيقول :﴿ وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً ﴾ [ الفرقان : ٦٣ ].
يعني : برفق وفي سكينة، وبلين دون اختيال، أو تكبُّر، أو غطرسة، لماذا؟ لأن المشي هو الذي سيُعرِّضك لمقابلة مجتمعات متعددة، وهذا الأدب الرباني في المشي يُحدِث في المجتمع استطراقاً إنسانياً يُسويِّ بين الجميع.
وفي موضع آخر يقول تعالى في هذه المسألة :﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً ﴾ [ لقمان : ١٨ ] ﴿ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرض وَلَن تَبْلُغَ الجبال طُولاً ﴾ [ الإسراء : ٣٧ ].


الصفحة التالية
Icon