الإسراف : تبديد ما تملك فيها عنه غَنَاء، فلا نقول ( مسرف ) مثلاً للذي يأكل ليحفظ حياته ؛ لذلك يقول سيدنا عمر رضي الله عنه لولده عاصم : كُلْ نصف بطنك، ولا تطرح ثوباً إلا إذا استخلقْتَه، ولا تجعل كل رزقك في بطنك وعلى جسدك.
والإسراف أن تنفق في غير حِلٍّ، فلا سرف في حِلٍّ، حتى إنْ أسرف الإنسان في شيء من الترف المباح، فإنه يؤدي لنفسه بعض الكماليات، في حين يؤدي للمجتمع أشياء ضرورية، فالذي لا يرتدي الثوب إلا ( مكْوياً ) كان بإمكانه أن يرتديه دون كَيًّ، فكَيُّ الثوب في حقه نوع من الترف، لكنه ضرورة بالنسبة ( للمكوجي ) حيث يسَّر له أكل العيش.
والذي يستقل سيارة أجرة وهو قادر على السير، أو يجلس على ( القهوة ) كل يوم ليمسح حذاءه وهو قادر على أن يمسحه بنفسه، هذه كلها ألوان من الترف بالنسبة لك، لكنها ضرورة لغيرك، فلا يُسمَّى هذا إسرافاً.
وقوله تعالى :﴿ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٧ ] أي : بين الإسراف والتقتير ﴿ قَوَاماً ﴾ [ الفرقان : ٦٧ ] يعني : وسطاً أي : أن الإنفاق وسط بين طرفين، وقوام الشيء : ما به يقوم، والحياة كلها تقوم على عملية التوسُّط بين الإسراف والتقتير.
وأذكر ونحن تلاميذ كانوا يُعلِّموننا نظرية الروافع، وكيف نُوسِّط مركزاً على عصا من الخشب، بحيث يتساوى الذراعان، ويكونان سواء، لا تميل إحداهما بالأخرى، وإذا أرادتْ إحداهما أن تميل قاومتْها الأخرى، كأنها تقول لها : نحن هنا. فإذا ما علقتَ ثِقَلاً بأحد الذراعين لزمك أن تطيل الأخرى لتقاوم هذا الثقل.