وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً ﴾
أي منازل ؛ وقد تقدّم ذكرها.
﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً ﴾ قال ابن عباس : يعني الشمس ؛ نظيره :﴿ وَجَعَلَ الشمس سِرَاجاً ﴾ [ نوح : ١٦ ].
وقراءة العامة :﴿ سِرَاجاً ﴾ بالتوحيد.
وقرأ حمزة والكسائيّ :"سُرُجاً" يريدون النجوم العظام الوقادة.
والقراءة الأولى عند أبي عبيد أولى ؛ لأنه تأوّل أن السُّرُج النجوم، وأن البروج النجوم ؛ فيجيء المعنى نجوماً ونجوماً.
النحاس : ولكن التأويل لهم أن أبان بن تغلِب قال : السرج النجوم الدراريّ.
الثعلبي : كالزهرة والمشترِي وزحل والسماكين ونحوها.
﴿ وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾ ينير الأرض إذا طلع.
وروى عِصمة عن الأعمش ﴿ وَقُمْرا ﴾ بضم القاف وإسكان الميم.
وهذه قراءة شاذة، ولو لم يكن فيها إلا أن أحمد بن حنبل وهو إمام المسلمين في وقته قال : لا تكتبوا ما يحكيه عِصمة الذي يروي القراءات، وقد أولع أبو حاتم السجستاني بذكر ما يرويه عِصمة هذا.
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (٦٢)
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ خِلْفَةً ﴾ قال أبو عبيدة : الخِلفة كل شيء بعد شيء.
وكل واحد من الليل والنهار يخلف صاحبه.
ويقال للمبطون : أصابته خِلفة ؛ أي قيام وقعود يخلف هذا ذاك.
ومنه خلفة النبات، وهو ورق يخرج بعد الورق الأوّل في الصيف.
ومن هذا المعنى قول زهير بن أبي سُلْمى :
بها العِينُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفةً...
وأَطْلاَؤهَا يَنْهضنَ من كُلِّ مَجثَمِ
الرئم ولد الظبي وجمعه آرام ؛ يقول : إذا ذهب فوج جاء فوج.
ومنه قول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأباً :
ولها بالماطرونِ إذا...
أَكلَ النملُ الذي جَمعَا
خِلْفةً حتى إذا ارتبعتْ...
سَكَنتْ مِنْ جلّقٍ بِيَعَا
في بيوت وَسْطَ دَسْكَرةٍ...