الصفة الثانية : قوله تعالى :﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً﴾ معناه لا نجاهلكم ولا خير بيننا ولا شر أي نسلم منكم تسليماً، فأقيم السلام مقام التسليم، ثم يحتمل أن يكون مرادهم طلب السلامة والسكوت، ويحتمل أن يكون المراد التنبيه على سوء طريقتهم لكي يمتنعوا، ويحتمل أن يكون مرادهم العدول عن طريق المعاملة، ويحتمل أن يكون المراد إظهار الحلم في مقابلة الجهل، قال الأصم :﴿قَالُواْ سَلاَماً﴾ أي سلام توديع لا تحية، كقول إبراهيم لأبيه :﴿سلام عَلَيْكَ﴾ [ مريم : ٤٧ ] ثم قال الكلبي وأبو العالية نسختها آية القتال ولا حاجة إلى ذلك لأن الإغضاء عن السفهاء وترك المقابلة مستحسن في العقل والشرع وسبب لسلامة العرض والورع.
الصفة الثالثة : قوله :﴿وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجَّداً وقياما﴾ واعلم أنه تعالى لما ذكر سيرتهم في النهار من وجهين : أحدهما : ترك الإيذاء، وهو المراد من قوله :﴿يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً﴾ والآخر تحمل التأذي، وهو المراد من قوله :﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجاهلون قَالُواْ سَلاَماً﴾ فكأنه شرح سيرتهم مع الخلق في النهار، فبين في هذه الآيات سيرتهم في الليالي عند الاشتغال بخدمة الخالق وهو كقوله :﴿تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع﴾ [ السجدة : ١٦ ] ثم قال الزجاج : كل من أدركه الليل قيل بات وإن لم ينم كما يقال بات فلان قلقاً، ومعنى ﴿يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ﴾ أن يكونوا في لياليهم مصلين، ثم اختلفوا فقال بعضهم : من قرأ شيئاً من القرآن في صلاة وإن قل، فقد بات ساجداً وقائماً، وقيل ركعتين بعد المغرب وأربعاً بعد العشاء الأخيرة، والأولى أنه وصف لهم بإحياء الليل أو أكثره يقال فلان يظل صائماً ويبيت قائماً، قال الحسن يبيتون لله على أقدامهم ويفرشون له وجوههم تجري دموعهم على خدودهم خوفاً من ربهم.