كما قال : كأنما ينحط من صَبَب ؛ قاله القاضي عِياض.
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسرع جِبلة لا تكلفاً.
قال الزهريّ : سرعة المشي تذهب بهاء الوجه.
قال ابن عطية : يريد الإسراع الحثيث لأنه يخل بالوقار ؛ والخير في التوسط.
وقال زيد بن أسلم : كنت أسأل عن تفسير قوله تعالى :﴿ الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً ﴾ فما وجدت من ذلك شفاء، فرأيت في المنام من جاءني فقال لي : هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض.
قال القُشَيريّ : وقيل لا يمشون لإفساد ومعصية، بل في طاعة الله والأمورِ المباحة من غير هوك.
وقد قال الله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [ لقمان : ١٨ ].
وقال ابن عباس : بالطاعة والمعروف والتواضع.
الحسن ؛ حلماء إن جهل عليهم لم يجهلوا.
وقيل : لا يتكبرون على الناس.
قلت : وهذه كلها معانٍ متقاربة، ويجمعها العلم بالله والخوف منه، والمعرفة بأحكامه والخشية من عذابه وعقابه ؛ جعلنا الله منهم بفضله ومنّه.
وذهبت فرقة إلى أن ﴿ هَوْناً ﴾ مرتبط بقوله :﴿ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ ﴾ أن المشي هو هون.
قال ابن عطية : ويشبه أن يتأول هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هوناً مناسبة لمشيه، فيرجع القول إلى نحو ما بيناه.
وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل ؛ لأنه رب ماش هوناً رويداً وهو ذئب أطلس.
وقد كان رسول الله ﷺ يتكفأ في مشيه كأنما ينحط في صبب.
وهو عليه الصلاة والسلام الصدر في هذه الأمة.
وقوله عليه الصلاة والسلام :" من مشى منكم في طمع فليمش رويداً " إنما أراد في عقد نفسه، ولم يرد المشي وحده.
ألا ترى أن المبطلين المتحلين بالدّين تمسكوا بصورة المشي فقط ؛ حتى قال فيهم الشاعر ذمًّا لهم :
كلُّهم يمشِي رُوَيْد...
كلُّهم يَطْلُبُ صَيْد
قلت : وفي عكسه أنشد ابن العربيّ لنفسه :
تواضعتُ في العلياء والأصل كابر...


الصفحة التالية
Icon