وفي التاريخ ما معناه أن إبراهيم بن المهدي كان منحرفاً عن عليّ بن أبي طالب فرآه في النوم قد تقدمه إلى عبور قنطرة، فقال له : إنما تَدَّعي هذا الأمر بامرأة ونحن أحق به منك، وكان حكى ذلك للمأمون قال : فما رأيت له بلاغة في الجواب كما يذكر عنه فقال له المأمون : فما أجابك به؟ قال : كان يقول لي سلاماً سلاماً، فنبهه المأمون على هذه الآية وقال : يا عم قد أجابك بأبلغ جواب.
فخزي إبراهيم واستحيا، وكان إبراهيم لم يحفظ الآية أو ذهب عنه حالة الحكاية.
والبيتوتة هو أن يدرك الليل نمت أو لم تنم، وهو خلاف الظلول وبجيلة وأزد السراة يقولون : بيات وسائر العرب يقولون : يبيت، ولما ذكر حالهم بالنهار بأنهم يتصرفون أحسن تصرف ذكر حالهم بالليل والظاهر أنه يعنى إحياء الليل بالصلاة أو أكثره.
وقيل : من قرأ شيئاً من القرآن بالليل في صلاة فقد بات ساجداً وقائماً.
وقيل : هما الركعتان بعد المغرب، والركعتان بعد العشاء.
وقيل : من شفع وأوتر بعد أن صلى العشاء فقد دخل في هذه الآية.
وفي هذه الآية حض على قيام الليل في الصلاة.
وقدم السجود وإن كان متأخراً في الفعل لأجل الفواصل، ولفضل السجود فإنها حالة أقرب ما يكون العبد فيها من الله.
وقرأ أبو البرهثيم : سجوداً على وزن قعوداً.
ومدحهم تعالى بدعائه أن يصرف عنهم عذاب جهنم وفيه تحقيق إيمانهم بالبعث والجزاء.
قال ابن عباس :﴿ غراماً ﴾ فظيعاً وجيعاً.
وقال الخدري : لازماً ملحّاً دائماً.
قال الحسن : كل غريم يفارق غريمه إلاّ غريم جهنّم.
وقال السدّي : شديداً.
وأنشدوا على أن ﴿ غراماً ﴾ لازماً قوله الشاعر وهو بشر بن أبي حاتم :
ويوم اليسار ويوم الجفار...
كانا عذاباً وكانا غراماً
وقال الأعشى :
إن يعاقب يكن غراماً...
وإن يعط جزيلاً فإنه لا يبالي
وصفهم بإحياء الليل ساجدين ثم عقبه بذكر دعائهم هذا إيذاناً بأنهم مع اجتهادهم خائفون يبتهلون إلى الله في صرف العذاب عنهم.


الصفحة التالية
Icon