تشوف السامع إلى ما لهم عنده بعد المعرفة بما للكافرين، فابتدأ الخبر عن ذلك بتعظيم شأنهم فقال :﴿أولئك﴾ أي العالو الرتبة، العظيمو المنزلة.
ولما كان المقصود إنما هو الجزاء، بني للمفعول قوله :﴿يجزون﴾ أي فضلاً من الله على ما وفقهم له من هذه الأعمال الزاكية، والأحوال الصافية ﴿الغرفة﴾ أي التي هي لعلوها واتساعها وطيبها لا غرفة غيرها، لأنها منتهى الطلب، وغاية الأرب، لا يبغون عنها حولاً، ولا يريدون بها بدلاً، وهي كل بناء عال مرتفع، والظاهر أن المراد بها الجنس.
ولما كانت الغُرَب في غابة التعب لمنافاتها لشهوات النفس وهواها وطبع البدن، رغب فيها بأن جعلها سبباً لهذا الجزاء فقال :﴿بما صبروا﴾ أي أوقعوا الصبر على أمر ربهم ومرارة غربتهم بين الجاهلين في أفعالهم وأقوالهم وأحوالهم، وغير ذلك من معاني جلالهم.
ولما كان المنزل لا يطيب إلا بالكرامة والسلامة، قال :﴿ويلقون﴾ أي يجعلهم الله لاقين بأيسر أمر ؛ وهلى قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر عن عاصم بالتخفيف والبناء للفاعل والأمر واضح ﴿فيها تحية﴾ أي دعاء بالحياة من بعضهم لبعض، ومن الملائكة الذين لا يرد دعاؤهم، ولا يمترى في إخبارهم، لأنهم عن الله ينطقون، وذلك على وجه الإكرام والإعظام مكان ما أهانهم عباد الشيطان ﴿وسلاماً﴾ أي من الله ومن الملائكة وغيرهم، وسلامة من كل آفة مكان ما أصابوهم بالمصائب.
ولما كان هذا ناطقاً بدوام حياتهم سالمين بصريحه، وبعظيم شرفهم بلازمه، دل على أنهم لا يبرحون عنه بقوله :﴿خالدين فيها﴾ أي الغرفة مكان ما أزعجوهم من ديارهم حتى هاجروا ؛ ودل على علو أمرها، وعظيم قدرها، بإبراز مدحها في مظهر التعجب فقال :﴿حسنت﴾ أي ما أحسنها ﴿مستقراً﴾ أي موضع استقرار ﴿ومقاماً﴾ أي موضع إقامة.


الصفحة التالية
Icon