قوله :﴿واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ الأقرب أنهم سألوا الله تعالى أن يبلغهم في الطاعة المبلغ الذي يشار إليهم ويقتدى بهم، قال بعضهم في الآية ما يدل على أن الرياسة في الدين يجب أن تطلب ويرغب فيها قال الخليل عليه الصلاة والسلام :﴿واجعل لّى لِسَانَ صِدْقٍ فِى الأخرين﴾ [ الشعراء : ٨٤ ] وقيل نزلت هذه الآيات في العشرة المبشرين بالجنة.
المسألة السادسة :
احتج أصحابنا بهذه الآية على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى، قالوا لأن الإمامة في الدين لا تكون إلا بالعلم والعمل، فدل على أن العلم والعمل إنما يكون بجعل الله تعالى وخلقه، وقال القاضي المراد من السؤال الألطاف التي إذا كثرت صاروا مختارين لهذه الأشياء فيصيرون أئمة والجواب : أن تلك الألطاف مفعولة لا محالة فيكون سؤالها عبثاً.
المسألة السابعة :
قال الفراء : قال ( إماماً )، ولم يقل أئمة كما قال للاثنين ﴿إِنّى رَسُولُ رَبّ العالمين﴾ [ الزخرف : ٤٦ ] ويجوز أن يكون المعنى اجعل كل واحد منا إماماً كما قال :﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [ غافر : ٦٧ ] وقال الأخفش : الإمام جمع واحده آم كصائم وصيام.
وقال القفال وعندي أن الإمام إذا ذهب به مذهب الاسم وحد كأنه قيل اجعلنا حجة للمتقين، ومثله البينة يقال هؤلاء بينة فلان.
واعلم أنه سبحانه وتعالى لما عدد صفات المتقين المخلصين بين بعد ذلك أنواع إحسانه إليهم وهي مجموعة في أمرين المنافع والتعظيم.
﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (٧٥) ﴾
أما المنافع : فهي قوله :
والمراد أولئك يجزون الغرفات والدليل عليه قوله :﴿وَهُمْ فِى الغرفات ءامِنُونَ﴾ [ سبأ : ٣٧ ] وقال :﴿لَهُمْ غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ﴾ [ الزمر : ٢٠ ] والغرفة في اللغة العلية وكل بناء عال فهو غرفة والمراد به الدرجات العالية.