ولا نفى عنهم ما يوجب قتل أنفسهم بخسارتهم إياها، أتبعه قتل غيرهم فقال :﴿ولا يقتلون﴾ أي بما تدعو إليه الحدة ﴿النفس﴾ أي رحمة للخلق وطاعة للخالق.
ولما كان من الأنفس ما لا حرمة له، بين المراد بقوله :﴿التي حرم الله﴾ أي قتلها، أي منع منعاً عظيماً الملك الأعلى - الذي لا كفوء له - من قتلها ﴿إلا بالحق﴾ أي بأن تعمل ما يبيح قتلها.
ولما ذكر القتل الجلي، أتبعه الخفي بتضييع نسب الولد، فقال :﴿ولا يزنون﴾ أي رحمة لما قد يحدث من ولد، إبقاء على نسبه، ورحمة للمزني بها ولأقاربها أن تنهتك حرماتهم، مع رحمته لنفسه، على أن الزنى جارّ أيضاً إلى القتل والفتن، وفيه التسبب لإيجاد نفس بالباطل كما أن القتل تسبب إلى إعدامها بذلك، وقد روي في الصحيح
" عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ أنه سأل رسول الله ـ ﷺ ـ : أي الذنب أعظم - وفي رواية : أكبر - عند الله؟ قال : أن تدعو لله نداً هون خلقك، قال : ثم أيّ؟ قال : أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، قال : ثم أيّ؟ قال : أن تزني بحليلة جارك، فأنزل الله تصديق ذلك ﴿والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر﴾ [ الفرقان : ٦٨ ] الآية " وقد استشكل تصديق الآية للخبر من حيث إن الذي فيه قتل خاص وزنى خاص، والتقييد بكونه أكبر، والذي فيها مطلق القتل والزنى من غير تعرض لعظم، ولا إشكال لأنها نطقت بتعظيم ذلك من سبعة أوجه : الأول : الاعتراض بين المبتدأ الذي هو " وعباد " وما عطف عليه، والخبر الذي هو ﴿أولئك يجزون﴾ [ الفرقان : ٧٥ ] على أحد الرأيين بذكر جزاء هذه الأشياء الثلاثة خاصة، وذلك دال على مزيد الاهتمام الدال على الإعظام.
الثاني : الإشارة بأداة البعد - في قوله :﴿ومن يفعل ذلك﴾ أي الفعل العظيم القبح - مع قرب المذكورات، فدل على أن البعد في رتبها.