وأما قوله :﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾ فقرىء ( ألا يتقون ) بكسر النون، بمعنى ألا يتقونني، فحذفت النون لاجتماع النونين والياء للاكتفاء بالكسرة، وقوله :﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾ كلام مستأنف أتبعه تعالى إرساله إليهم للإنذار والتسجيل عليهم بالظلم، تعجيباً لموسى عليه السلام من حالهم ( التي شفت ) في الظلم والعسف، ومن أمنهم العواقب وقلة خوفهم ( وحذرهم من أيام الله )، ويحتمل أن يكون ﴿أَلا يَتَّقُونَ﴾ حالاً من الضمير في ( الظالمين ) أي يظلمون غير متقين الله وعقابه، فأدخلت همزة الإنكار على الحال، ووجه ثالث وهو أن يكون المعنى ألا يا ناس اتقون، كقوله :( ألا يسجدوا ).
وأما من قرأ ( ألا تتقون ) على الخطاب، فعلى طريقة الالتفات إليهم وصرف وجوههم بالإنكار والغضب عليهم، كما يرى من يشكو ممن ركب جناية والجاني حاضر، فإذا اندفع في الشكاية وحمى غضبه، قطع مباثة صاحبه وأقبل على الجاني يوبخه ويعنفه به، ويقول له ألا تتقي الله ألا تستحي من الناس، فإن قلت : فما الفائدة في هذا الالتفات والخطاب مع موسى عليه السلام في وقت المناجاة، والملتفت إليهم غائبون لا يشعرون ؟ قلت : إجراء ذلك في تكليم المرسل إليهم في معنى إجرائه بحضرتهم وإلقائه إلى مسامعهم، لأنه ( مبلغهم ) ومنهيه إليهم، وله فيه لطف وحث على زيادة التقوى، وكم من آية نزلت في شأن الكافرين وفيها أوفر نصيب للمؤمنين تدبراً لها واعتباراً بمواردها.
ق﴿ َالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) ﴾
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى :