ولما كان من المعلوم أنهما امتثلا ما أمرهما الله، فأتياه وقالا له ما أمرا به، تشوفت النفس إلى جوابه لهما، فقال تعالى التفاتاً إلى مثل قوله في التي قبلها ﴿وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام﴾ [ الفرقان : ٧ ] ﴿وإن يتخذونك إلا هزواً﴾ [ الأنبياء : ٣٦ ] ونحو ذلك تسلية لهذا النبي الكريم وتحقيقاً لمعنى قوله تعالى ﴿كلا﴾ و ﴿مستمعون﴾ من أن فرعون وإن بالغ في الإبراق والإرعاد لا يروع موسى عليه السلام شيء منه :﴿قال﴾ أي فرعون حين أبلغاه الرسالة مخاطباً لموسى عليه السلام علماً منه أنه الأصل فيها، وأخوه إنما هو وزير، منكراً عليه مواجهته بمثل هذا ومانّاً عليه ليكف من جرأته بتصويب مثل هذا الكلام إليه :﴿ألم نربك﴾ أي بعظمتنا التي شاهدتها ﴿فينا وليداً﴾ أي صغيراً قريب عهد بالولادة ﴿ولبثت فينا﴾ أي لا في غيرنا، باعتبار انقطاعك إلينا، وتعززك في الظاهر بنا ﴿من عمرك سنين﴾ أي كثيرة، فلنا عليك بذلك من الحق ما ينبغي أن يمنعك من مواجهتنا بمثل هذا، وكأنه عبر بما يفهم النكد كناية عن مدة مقامه عنده بأنها كانت نكده لأنه وقع فيما كان يخافه، وفاته ما كان يحتاط به من ذبح الأطفال.
ولما ذكّره منة تحمله على الحياء منه، ذكّره ذنباً هو أهل لأن يخاف من عاقبته فقال مهولاً له بالكناية عنه :﴿وفعلت فعلتك﴾ أي من قتل القطبي، ثم أكد نسبته إلى ذلك مشيراً إلى أنه عامله بالحلم تخجيلاً له فقال :﴿التي فعلت وأنت﴾ أي والحال أنك ﴿من الكافرين﴾ أي لنعمتي وحق تربيتي بقتل من ينسب إليّ، أو عده منهم لسكوته عنهم إذا ذاك، لأنه لم يكن قبل الرسالة مأموراً فيهم بشيء، فكان مجاملاً لهم، فكأنه قال : وأنت منا.


الصفحة التالية
Icon