وقوله ﴿ أن أرسل معنا بني إسرائيل ﴾ معناه سرح، فهو من الإرسال الذي هو بمعنى الإطلاق، وكما تقول أرسلت الحجر من يدي، وكان موسى مبعوثاً إلى فرعون في أمرين : أحدهما أن يرسل بني إسرائيل ويزيل عنهم ذل العبودية والغلبة، والثاني أن يؤمن ويهتدي وأمر بمكافحته ومقاومته في الأول، ولم يؤمر بذلك في الثاني على ما بلغ من أمره، وبعث بالعبادات والشرع إلى بني إسرائيل فقط، هذا قول بعض العلماء، وقول فرعون لموسى ﴿ ألم نُربّك ﴾ هو على جهة المن عليه والاحتقار، أي ربيناك صغيراً ولم نقتلك في جملة من قتلنا، ﴿ ولبثت فينا سنين ﴾، فمتى كان هذا الذي تدعيه، وقرأ جمهور القراء " من عمُرك " بضم الميم، وقرأ أبو عمرو " عمْرك " بسكونها، ثم قرره على قتل القبطي بقوله ﴿ وفعلت فعلتك ﴾ والفَعلة بفتح الفاء المرة من الفعل، وقرأ الشعبي " فِعلتك " بكسر الفاء وهي هيئة الفعل، وقوله ﴿ وأنت من الكافرين ﴾، يحتمل ثلاثة أوجه : أحدها أن يريد وقتلت القبطي ﴿ وأنت ﴾ في قتلك إياه ﴿ من الكافرين ﴾ إذ هو نفس لا يحل قتله قاله الضحاك، أو يريد ﴿ وأنت من الكافرين ﴾ بنعمتي في قتلك إياه قاله ابن زيد، وهذان بمعنى واحد في حق لفظ الكفر، وإنما اختلفا باشتراك لفظ الكفر والثاني أن يكون بمعنى الهزء على هذا الدين فأنت من الكافرين بزعمك قاله السدي، والثالث هو قول الحسن أن يريد ﴿ وأنت من الكافرين ﴾ الآن يعني فرعون بالعقيدة التي كان يبثها فيكون الكلام مقطوعاً من قوله ﴿ وفعلت فعلتك ﴾ وإنما هو إخبار مبتدأ كان من الكافرين وهذا الثاني أيضاً يحتمل أن يريد به كفر النعمة.
قال القاضي أبو محمد : وكان بين خروج موسى عليه السلام حين قتل القبطي وبين رجوعه نبياً إلى فرعون إحدى عشر سنة غير أشهر.
﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) ﴾