قوله تعالى :﴿ ففرَرتُ منكم ﴾ أي : ذهبت من بينكم ﴿ لمَّا خِفْتُكم ﴾ على نفسي إلى مَدْيَنِ، وقرأ عاصم الجحدري، والضحاك، وابن يعمر ﴿ لِمَا ﴾ بكسر اللام وتخفيف الميم، ﴿ فوهَب لي ربِّي حُكْماً ﴾ وفيه قولان.
أحدهما : النبوَّة، قاله ابن السائب.
والثاني : العِلْم والفَهم، قاله مقاتل.
قوله تعالى :﴿ وتلك نِعمة تَمُنُّها عليَّ ﴾ يعني التربية ﴿ أنْ عَبَّدْتَ بني إِسرائيل ﴾ أي : اتخذْتَهم عبيداً ؛ يقال عبَّدتُ فلاناً وأعبدتُه واستعبدتُه : إِذا اتخذتَه عبداً.
وفي "أنْ" وجهان.
أحدهما : أن تكون في موضع رفع على البدل من "نِعْمةٌ".
والثاني : أن تكون في موضع نصب بنزع الخافض، تقديره : لأَن عبَّدتَ أو لتعبيدك.
واختلف العلماء في تفسير الآية، ففسرها قوم على الإِنكار، وقوم على الإِقرار.
فمن فسرها على الإِنكار قال معنى الكلام : أو تلك نعمة؟! على طريق الاستفهام، ومثله ﴿ هذا ربِّي ﴾ [ الانعام : ٧٦ ]، وقوله :﴿ فهم الخالدون ﴾ [ الانبياء : ٣٤ ]، وأنشدوا :
[ لم أنس يوم الرحيل وقفتَها...
وجفنها من دموعها شَرِقُ ]
وقولَها والركابُ سائرة...
تتركنا هكذا وتنطلق
وهذا قول جماعة منهم.
ثم لهم في معنى الكلام ووجهه أربعة أقوال.
أحدها : أن فرعون أخذ أموال بني إِسرائيل واستعبدهم وأنفق على موسى منها، فأبطل موسى النِّعمة لأنها أموال بني إِسرائيل، قاله الحسن.
والثاني : أن المعنى : إِنك لو كنت لا تقتُل أبناء بني إِسرائيل لكفلني أهلي، وكانت أُمِّي تستغني عن قذفي في اليمِّ، فكأنك تمنُّ عليَّ بما كان بلاؤك سبباً له، وهذا قول المبرِّد، والزجّاج والأزهري.
والثالث : أن المعنى تمنُّ عليَّ باحسانك إِليَّ خاصة، وتنسى إِساءتك بتعبيدك بني إِسرائيل؟! قاله مقاتل.


الصفحة التالية
Icon