وقال أبو السعود :
﴿ طسم ﴾ بتفخيمِ الألف وبإمالتِها وإظهارِ النُّونِ وبإدغامِها في الميمِ، وهو إمَّا مسرودٌ على نمطِ التَّعديدِ بطريقِ التَّحدِّي على أحدِ الوجهينِ المذكُورينِ في فاتحةِ سُورة البقرةِ فلا محلَّ له من الإعرابِ وإمَّا اسمٌ للسُّورةِ كما عليه إطباقُ الأكثرِ فمحلُّه الرَّفعُ على أنَّه خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ وهو أظهرُ من الرَّفع على الابتداءِ وقد مرَّ وجهُه في مطلعِ سُورة يونسَ عليه السَّلامُ. أو النَّصبُ بتقديرِ فعلٍ لائقٍ نحوِ اذكُر أو اقرأْ. وتلكَ في قولِه تعالى :﴿ تِلْكَ ءايَاتُ الكتاب المبين ﴾ إشارةٌ إلى السُّورة سواءٌ كانَ طسم مسرُوداً على نمط التَّعديدِ أو اسماً للسُّورة حسبما مرَّ تحقيقُه هناك، وما في اسمِ الإشارةِ من معنى البُعدِ للتَّنبيهِ على بُعدِ منزلةِ المُشارِ إليه في الفخامةِ ومحلُّه الرَّفعُ على أنَّه مبتدأٌ خبرُه ما بعَدُه وعلى تقديرِ كونِ طسم مبتدأً فهو مبتدأٌ ثانٍ أو بدلٌ من الأَّولِ، والمرادُ بالكتابِ القرآنُ وبالمبينِ الظَّاهرُ إعجازُه على أنَّه من أبانَ بمعنى بانَ، أو المُبينُ للأحكامِ الشَّرعيةِ وما يتعلَّقُ بها أو الفاصلُ بين الحقِّ والباطلِ والمعنى هي آياتٌ مخصُوصةٌ منه مترجمةٌ باسمِ مستقلَ. والمرادُ ببيانُ كونِها بعضاً منُهُ وصفاً بما اشتُهر به الكُلُّ من النُّعوتِ الفاضلةِ.
﴿ لَعَلَّكَ باخع نَّفْسَكَ ﴾ أي قاتلٌ. وأصلُ البَخعِ أنْ يبلغَ بالذَّبحِ النُّخاعَ، وهو عرقٌ مستبطنُ الفقارِ وذلك أقصى حدِّ الذَّبحِ. وقُرىء باخِعُ نفسِك على الإضافةِ ولعلَّ للإشفاقِ أي أشفقْ على نفسِك أنْ تقتلَها حسرةً على ما فاتَك من إسلامِ قومِك ﴿ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ أي لعدمِ إيمانِهم بذلكَ الكتابِ المبينِ أو خيفةَ أنْ لا يُؤمنوا به.