وقال ابن عاشور :
﴿ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (٤١) ﴾
تقدم نظيرها في سورة الأعراف بقوله :﴿ وجاء السحرة ﴾ [ الأعراف : ١١٣ ] وبطرح همزة الاستفهام إذ قال هناك ﴿ إنَّ لنا لأجراً ﴾ [ الأعراف : ١١٣ ]، وهو تفنن في حكاية مقالتهم عند إعادتها لئلا تعاد كما هي، وبدون كلمة ﴿ إذاً ﴾، فحكى هنا ما في كلام فرعون من دلالة على جزاءِ مضموننِ قولهم :﴿ إنَّ لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين ﴾ [ الأعراف : ١١٣ ] زيادة على ما اقتضاه حرف ( نعم ) من تقرير استفهامهم عن الأجر.
فتقدير الكلام : إن كنتم غالبين إذاً إنكم لمن المقربين.
وهذا وقع الاستغناء عنه في سورة الأعراف فهو زيادة في حكاية القصة هنا.
وكذلك شأن القرآن في قصصه أن لا يخلو المُعاد منها عن فائدة غير مذكورة في موضع آخر منه تجديداً لنشاط السامع كما تقدم في المقدمة السابعة من مقدمات هذا التفسير.
وسؤالهم عن استحقاق الأجر إدلال بخِبرتهم وبالحاجة إليهم إذ علموا أن فرعون شديد الحرص على أن يكونوا غالبين وخافوا أن يُسَخِّرهم فرعون بدون أجر فشرطوا أجرهم من قبل الشروع في العمل ليقيدوه بوعده.
قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٤٣)
حُكي كلام موسى في ذلك الجمع بإعادة فعل ﴿ قال ﴾ مفصولاً بطريقة حكاية المحاورات لأنه كان المقصود بالمحاورة إذ هم حضروا لأجله.
ووقع في سورة الأعراف ( ١١٥ ) ﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن المُلْقين قال ألقُوا، واختصر هنا تخييرهم موسى في الابتداء بالأعمال، وقد تقدم بيانه هناك، فقول موسى لهم ألقوا ﴾ المحكي هنا هو أمر لمجرد كونهم المبتدئين بالإلقاء لتعقبه إبطال سِحرهم بما سيلقيه موسى، كما يقول صاحب الجدل في علم الكلام للملحد : قرر شبهتك، وهو يريد أن يدحضها له.