واعلم أنا قد بينا في سورة الأنعام ( ١٨ ) في تفسير قوله تعالى :﴿وَهُوَ القاهر فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ أن حقيقة الإله سبحانه من حيث هي هي غير معقولة للبشر، وإذا كان كذلك استحال من موسى عليه السلام أن يذكر ما تعرف به تلك الحقيقة، إلا أن عدم العلم بتلك الخصوصية لا يقدح في صحة الرسالة فكان حاصل كلام موسى عليه السلام أن ادعاء رسالة رب العالمين تتوقف صحته على إثبات أن للعالمين رباً وإلهاً ولا تتوقف على العلم بخصوصية الرب تعالى وماهيته المعينة، فكأن موسى عليه السلام يقيم الدلالة على إثبات القدر المحتاج إليه في صحة دعوى الرسالة، وفرعون يطالبه ببيان الماهية، وموسى عليه السلام كان يعرض عن سؤاله لعلمه بأنه لا تعلق لذلك السؤال نفياً ولا إثباتاً في هذا المطلوب، فهذا تمام القول في هذا البحث والله أعلم، ثم إن موسى عليه السلام لما خشن في آخر الكلام بقوله :﴿إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فعند ذلك قال فرعون :﴿لَئِنِ اتخذت إلها غَيْرِى لاجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين﴾ فإنه لما عجز عن الحجاج عدل إلى التخويف، فعند ذلك ذكر موسى عليه السلام كلاماً مجملاً ليعلق قلبه به فيعدل عن وعيده فقال :﴿أَوْ لَوْ جِئْتُكَ بِشَىء مُّبِينٍ﴾ ؟. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٢٤ صـ ١١١ ـ ١١٣﴾


الصفحة التالية