وقال أبو السعود :
﴿ فَلَمَّا تَرَاءى الجمعان ﴾
تقارَبا بحيثُ رأى كلُّ واحد منهما الآخرَ وقُرىء تَراءتِ الفئتانِ ﴿ قَالَ أصحاب موسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ جاءوا بالجملةِ الاسميةِ مؤكَّدة بحرفَيّ التَّأكيدِ للدِّلالةِ على تحقُّقِ الإدراك واللحاقِ وتنجُّزهما. وقُرىء لمدَّركُون بتشديد الدَّالِ من ادَّراك الشَّيءُ إذا تتابعَ ففنيَ أي لمتتابعون في الهلاكِ على أيديهم.
﴿ قَالَ كَلاَّ ﴾ ارتدِعُوا عن ذلك فإنَّهم لا يُدركونكُم ﴿ إِنَّ مَعِىَ رَبّى ﴾ بالنَّصرةِ والهدايةِ. ﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ ألبتةَ إلى طريق النَّجاةِ منُهم بالكلَّية. رُوي أَنَّ يُوشعِ عليه السَّلامُ قال يا كليَم الله أين أُمرتَ فقد غشِيَنا فرعونُ والبحرُ أمامَنا قال عليه السَّلامُ ههُنا فخاضَ يوشعُ عليه السَّلامُ الماءَ وضَرب مُوسى عليه السَّلامُ بعصاهُ البحرَ فكانَ ما كانَ. ورُوي أنَّ مؤمناً من آل فرعونَ كان بين يَدَيْ مُوسى عليه السَّلامُ فقال أينَ أُمرت فهذا البحرُ أمامَك وقد غشيك آلُ فرعونَ قال عليه السَّلامُ أُمرتُ بالبحر ولعلي أُومر بما أصنعُ فأمر بما أُمر بهِ. وذلك قولُه تعالى ﴿ فَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر ﴾ القُلزمِ أو النِّيلَ ﴿ فانفلق ﴾ الفاء فصيحةٌ أي فضربَ فانفلق فصارَ اثني عشر فِرقاً بعددِ الأسباطِ بينهنّ مسالكُ ﴿ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ ﴾ حاصلٍ بالانفلاق ﴿ كالطود العظيم ﴾ كالجبلِ المُنيف الثَّابتِ مقرِّه فدخلُوا في شعابِها، كلُّ سِبْطٍ في شعبٍ منها.
﴿ وَأَزْلَفْنَا ﴾ أي قرَّبنا ﴿ ثَمَّ الاخرين ﴾ أي فرعونَ وقومَه حتَّى دخلُوا على أثرِهم مداخلَهم.
﴿ وَأَنجَيْنَا موسى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ بحفظِ البحرِ على تلك الهيئةِ إلى أنْ عبرُوا إلى البرِّ.
﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الأخرين ﴾ بإطباقِه عليهم.